الكتاب : Victor Hugo
المؤلف: Jean Noël
الناشر:Gallimard - Paris 2004
*****
لم تكن (البؤساء) مجرد رواية عادية، فقد كانت ملحمة إنسانية جسدت بمفردها تاريخا حقيقيا عكسته نخبة فكرية أرادت أن تبدع في إطار مميز وخارج عن المألوف. لهذا بقيت رواية (البؤساء) رمزا تاريخيا فرنسيا الى يومنا هذا. ظلت شخصية (غافروش) و(كوزيت) رمزا إنسانيا آخر للطبقة الشعبية الكادحة حد الموت. (غافروش) و(كوزيت) و(جون فالجون) و(تيناردييه).. كلهم عكسوا التاريخ الفرنسي بكل تناقضاته، بكل ازدواجيته الفكرية والسياسية وحتى الأيديولوجية، لأن (فيكتور هوجو) صنع الجسر بين الماضي والحاضر، لمجرد أنه كان واحدا من أبرز الأدباء الفرنسيين على الإطلاق.. الكتاب الذي صدر قبل ثلاثة أسابيع فقط، يتناول ببساطة ما يسميه الفرنسيون (أسطورة الأدب الفرنسي) إنه الكاتب الكبير: فيكتور هوجو.
في شهر فبراير الماضي احتفلت فرنسا بالذكرى ال202 لرحيل هذا المبدع (1802 1885) الذي كان من أكثر المفكرين الفرنسيين خصوصية، ربما لأنه لم يبرع في الرواية فقط، بل برع في الشعر والنقد والرسم والنحت. كان فنانا وصف نفسه بأنه ( حقيقة ما يمكن أن يمنحه الله للفرد من مواهب لأجل ملء فراغ يعيشه في واقعه). فالأديب فيكتور هوجو ارتبط اسمه بكونه واحدا من أبرز المدافعين عن الحرية. الحرية بالنسبة إليه لم تكن مرتبطة أبدا بالماديات الرخيصة، بل بالكرامة والكبرياء الإنساني وعزة النفس وبالتالي بالوطن. صحيح أن فيكتور هوجوكان من أشد المعارضين للحركات الحديثة التي كان يتهمها بالنزق وبسطحية القضية، وهذا جعل النقاد يتهمونه بأنه محدود الأفق ومحدود اللغة، يقول الكتاب: يعد فيكتور هوجو من الذين أسسوا ثقافة الوطن، ففي عبارته الشهيرة: (الوطن يصنع الرجال ولكن الرجال يصنعون الحرية).. هي نفسها العبارة التي تقابلك وأنت داخل الى مدينة (إكسونبروفانس) الفرنسية التي عاش فيها هوجو سنوات من حياته، قبل أن ينتقل الى عزلته الباريسية التي صنعت منه اكبر أديب ومفكر عانى من إجحاف حقيقي في زمنه، لأنه كان يقارن ب(لامارتين) ولأنه كان يناهض التيارات الراديكالية الفارغة من القيم كما كان يقول. كان فيكتور هوجو رائدا في أشعاره الرومانسية، ورائدا في نحته وفي رسوماته التي تتصدر اليوم أغلفه كتبه المطبوعة في شكلها الجديد، ورائدا في رواياته التي كان يمتزج فيها الحب بالوطن، فليس ثمة حب أعمق ولا أصدق من حب القضية، ولا من حب الوطن، بيد أن القضية عند هوجو ظلت مرتبطة بنفس الثالوث: الحرية - الوطن - الإنسان، بكل ما تعنيه العبارات من عمق ومن سمو يقول الكتاب: رواية (البؤساء) هي الصورة واللوحة والقصيدة التي كانت تعني لأجيال كثيرة أن فيكتور هوجو قال الحقيقة الوحيدة التي لم يقلها أدباء عصره. قال ان الحرية قضية الجميع وأن العدالة قضية الجميع أيضا، وأن الدفاع عن القضيتين هو الدفاع عن القومية التي تسكن في أعماق كل إنسان يرفض التبعية ويرفض الاحتلال مهما كانت مسمياته الأخرى. كانت تلك القيم هي التي صنعت المصادمات الفكرية بينه وبين الكثيرين، الى أن اختار فيكتور هوجو أن ينعزل في منفاه الاختياري لمدة تزيد عن عشرين عاما. عاد الى الضوء ليقول للناس جميعا : (لقد دفعت عشرين سنة من عمري في المنفى ثمناً للحق الحازم في معارضة الماديين والتافهين والشياطين. عارضتهم بقوة ومازلت..) .. يقول كارلوس فوينتس Carlos Fantaise في مقدمة كتاب : فيكتور هوجو: (في قراءاتي الكثيرة لفيكتور هوجو وجدت شيئاً حميما يربط بين كل أعماله الميلودرامية أوالفنية الأخرى.. انه ببساطة حرية الكتابة السردية الخالية من الإطناب، وإن كان (ثرفانتس) قد أسس الرواية الحديثة على أنقاض فوضى الأجناس الأدبية الأخرى، فإن فيكتور هوجو أجاد صياغة السرد الحر أفضل من (بلزاك) نفسه، بيد أن الجودة في الشكل الأدبي كانت أوضح في أعمال (ستندال) أو(فلوبير)، لكن الحرية التي تظهر بقوة في رواية البؤساء صنعت تاريخية الأدب الفرنسي المنبثق من عناصر جديدة الآن فقط يكتشف الفرنسيون قيمتها، بأن الكتابة ليست عبثا مترفا، بل هي أداء يجب أن يتفاعل مع الواقع لأجل تحسينه وليس لأجل الإساءة إليه، هذا لأن الحرية هي نفسها المسؤولية وهي نفسها الالتزام وهي نفسها التواصل مع الآخرين من دون الإساءة إليهم باسم الطبقية أوباسم اللون والدين. الجميع يتساوون في كل شيء، ما عدا في أعمالهم، فالذين يعملون بجد هم الذين يفوزون والذين لا يعملون مصيرهم النسيان فقط.
|