لم يكن انتصار الرئيس الأمريكي على منافسه هو المظهر الوحيد لفوزه وحزبه الجمهوري ومن ورائه المحافظين بما في ذلك المحافظين الجدد ذوي التوجه المتطرف الداعم بقوة لإسرائيل والمناهض بشدة للمناوئين لها أينما كانوا ومهما كانت خلفياتهم ومعتقداتهم، فقد تمثل هذا الانتصار أيضا في احتلال الجمهورين معظم مقاعد مجلس الشيوخ (55 مقعدا مقابل 44 للديموقراطيين) و مجلس النواب (231 مقعدا مقابل 200 للديموقراطيين).
وفي ضوء الحقيقة القائلة إن الجمهوريين سيواصلون سياساتهم السابقة وفقا لتصريحات بوش عقب فوزه، فإن تلك السياسات يمس الكثير منها العرب والمسلمين وفي الغالب بطريقة سلبية، فالقضية الفلسطينية لا تزال مهملة في حسابات الرئيس الأمريكي أو هي تلقى الاهتمام فقط من جهة التأييد الأعمى لإسرائيل الأمر الذي أدخل القضية في تعقيدات جديدة وأبعدها عن أسس الحل العادل والشامل وألقى بالمزيد من المصاعب في وجه الشعب الفلسطيني.
ونشير إلى أن بوش هو أول رئيس أمريكي يفصح عما أسماه شرعية الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية مبررا بذلك مساعي إسرائيل بعدم الانسحاب من مساحات واسعة من الضفة.
وفي العراق فإن الناس يعانون الأمرين من حرب فرضت عليهم، وباتت مدنهم تحت قصف يومي أمريكي تحت دعاوي محاربة الإرهاب، ورغم الآفاق التي تبدو واعدة بالنسبة للمستقبل من خلال الخطط الخاصة بالانتخابات والانتقال إلى الحكم الوطني الكامل فإن الواقع المرير الحالي قد يلقي بتبعاته على المستقبل الموعود، من جهة عدم بلوغ تلك الآمال المرجوة في ظل تداعيات وضع متدهور بكل ما ينطوي عليه ذلك من رغبات في الانتقام وتصفية الحسابات الأمر الذي قد يؤثر سلبيا على الاستحقاقات المنتظرة.
ويلاحظ بصورة واضحة تغليب توجهات العنف والاستئصال في معالجة الشأن العراقي وإسقاط مساعي التسوية السلمية أو عدم إفساح المجال بصورة واسعة أمامها، فالمحادثات فيما يتصل بوضع مدينة الفلوجة كانت تجري تحت القصف العنيف والتهديدات المتلاحقة تجاه المدنيين وخصوصا فيما يتصل بأبي مصعب الزرقاوي، إذ إن هذه المدينة متهمة بالكامل بأنها تأوي هذا المطلوب وتحت حجة مطاردته تنهال الصورايخ والقنابل صباح مساء على سكانها.
عودة الجمهورين تشير أيضا إلى تشدد المحافظين الجدد الذين ظهروا بكامل هيئتهم وأفكارهم المتطرفة في الولاية الأولى لبوش وكانت بصماتهم واضحة في مجمل السياسات الخارجية، فهم الذين دفعوا بشدة إلى إشعال حرب العراق وهم الذين يحافظون على الدعم القوي لإسرائيل، ومن الواضح أنهم سيتلقون مع انتصار بوش دفعة قوية ستسفر عن المزيد من التشدد في حربهم ضد ما يسمونه الإرهاب والذي يأخذ تعريفا مختلفا لديهم عما هو سائد عربيا وإسلاميا ودوليا، وعلى سبيل المثال فإن المقاومة الفلسطينية تعتبر عين الإرهاب بالنسبة لهم وعلى ذلك يمكن قياس المواقف التي سيتضرر منها العرب والمسلمون بشكل خاص من هذه المجموعة.
|