Friday 5th November,200411726العددالجمعة 22 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

زايد بعد عبدالعزيز.. الوحدة بلا شعارات زايد بعد عبدالعزيز.. الوحدة بلا شعارات
علي الشدي

يمر في تاريخ الأمم والشعوب زعماء ليس من السهولة تكرارهم، وغالباً ما يتصف هؤلاء بالحكمة قبل حمل الشهادات العليا أو الرتب العسكرية والنياشين، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي فقدته الأسرة الخليجية والأمة العربية والإسلامية يوم أمس الأول واحداً من هؤلاء، وقبله كان الملك عبدالعزيز رحمهما الله.
ويتصف الزعيمان بالحكمة التي من أوتي نصيباً منها فقد أوتي خيراً كثيراً، بالإضافة إلى حب شعوبهما لهما وعملهما بصمتٍ بعيداً عن الشعارات والضجيج الإعلامي الذي دفع بعض الزعماء إلى ادعاء تأليف الكتب وكتابة الروايات والشعر وحتى رسم اللوحات الفنية.
أوجد الملك عبدالعزيز دولة مترامية الأطراف قوية الجانب من أجزاء كانت تعاني من الخوف والجوع والعطش، وكذلك فعل الشيخ زايد الذي لم يكتفِ بتطوير إمارة أبوظبي، ليحولها من كثبان رملية يسكن بعض سكانها في بيوت من الصفيح قبل ثلاثين عاماً فقط إلى دولة حديثة بكل ما تعني الكلمة من معنى، بل جمع شتات الإمارات المجاورة له في وحدة شكلت نموذجاً للعمل الوحدوي الحقيقي، وقاد هذه التجربة بحكمةٍ تغلبت فيها نظرة العمل الجماعي على أنانية حب المناصب والمظاهر حيث حفظ لكل حاكم من حكام الإمارات دوره وتصرفه في شؤون إمارته، وسخّر الشيخ زايد جزءاً من ميزانية إمارة أبوظبي لإنجاح التجربة التي راهن الكثيرون على عدم استمرارها لأكثر من عام أو عامين لكنها ظلت عقوداً من الزمان لتثبت أن الوحدة تتم بالعمل والتضحية وليس بالشعارات والإعلام والأناشيد.
هذا على المستوى الداخلي أما على صعيد الخليج فلقد كان الشيخ زايد أحد المؤسسين الرئيسيين لمجلس التعاون الخليجي، وأحد الأصوات القوية والمؤثرة في مسيرة المجلس وتطويق الخلافات الجانبية التي تثار أحياناً، كما أن حكمته في التعامل مع مشاكل الحدود والجزر المتنازع عليها مع إيران قد جنبت المنطقة أخطاراً وقلاقل كثيرة، وعلى المستوى العربي كان زايد يصدع بالرأي الصريح والواضح في وقت الأزمات، لكن رفاق الدرب لا يصغون إلى آرائه أحياناً، بل ويتخذون من ذلك وسيلة لانتقاده، ثم يندم هؤلاء حينما لاينفع الندم.
وفي مجال العطاء كان للراحل الكبير دورٌ في دعم الشعوب العربية والإسلامية المحتاجة للعون، وفي مقدمتها شعب فلسطين وشعب السودان وشعب مصر، وبعض الشعوب الإسلامية، ولم يكن هذا العطاء مصحوباً بمنة أو صخب إعلامي، وتتركز المساعدات في المجال الصحي من بناء المستشفيات وإرسال الأطباء وحفر آبار المياه، وكذلك المجال التعليمي كفتح المدارس وتقديم المنح الدراسية، ومجال الإسكان، وهي نقلة نوعية في تقديم المساعدات العينية بدل النقدية التي قد تسلك طريقها للجيوب.
وأخيراً: غاب زايد بن سلطان بعد أن أعطى بلا حدود، غاب كما غاب من قبله عبدالعزيز وسعود وفيصل وخالد، وكلهم زعماء كانت لهم صفات القادة العظام، وأهمها الحكمة والبساطة والتواضع والكرم وحب الخير للآخرين، غاب هؤلاء وبقيت أعمالهم الكبيرة على مستوى أوطانهم، وعلى امتداد الوطن العربي والإسلامي، وسيظل البيت الخليجي بإذن الله رحماً يلد مثل هؤلاء الزعماء الذين يظلون في الذاكرة نوراً يضيء للأجيال القادمة طريق الوحدة والتضامن والتغلب على الزوابع بحكمة، يقابلون الإساءة بالإحسان والغدر بالإخلاص ويرسمون على رمال الخليج أحلاماً تتحقق بالعمل الجاد حتى أصبحت بلدانهم مضرب المثل في التقدم مع احتفاظهم بتراثهم الأصيل وعاداتهم العريقة.
التعازي ليست لشعب الإمارات العربية فقط وإنما لكل مواطن عربي ومسلم عرف في زايد البعد عن الخلافات والحكمة في كل الأمور والعطاء بلاحدود.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved