ها هو رمضان يوشك أن يودعنا ونودعه على أمل أن نلقاه في عامنا القادم إن بقي في العمر فسحة!!، ولا ريب أن قرب الوداع ولحظات الفراق فيها من الشجن ما الله به عليم!!، ولا ريب أيضاً أن من الصفات الكريمة الاحتفاء بالضيف وخصوصاً عند قرب رحيله!!، لذا من الأهمية بمكان أن نودع رمضان لا بذات ما استقبلناه به بل بصورة أفضل مما استقبلناه به فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يودع رمضان بإحياء الليل كله وبشد المئزر وهذه كناية عن الجد في العمل، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل العشر يحيي الليل ويوقظ أهله ويشد المئزر ومعنى إحياء الليل: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما، وقد جاء عند النسائي عنها أنها قالت: لا أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهراً كاملاً قط غير رمضان) كما على المسلم الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والقراءة وسائر القربات والطاعات، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل.
قال الثوري: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينُهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك.
وليحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) رواه أهل السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح.
الحرص على تحري ليلة القدر في هذه العشر فقد قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (3) سورة القدر ومقدارها بالسنين ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر وقال - صلى الله عليه وسلم - (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
ولا حظ أخي الكريم قوله - صلى الله عليه وسلم - (إيماناً) أي إيماناً بالله وتصديقاً بما رتب على قيامها من الثواب.
وقوله عليه الصلاة والسلام (احتساباً) أي للأجر والثواب لا كما يفعل البعض من قيام هذه الليلة وربما صيام وقيام رمضان كله مع الأسف الشديد دون استصحاب النية الصالحة التي هي منطلق قبول العمل إذا اقترنت بصوابه، أعود للحديث عن ليلة القدر التي هي في هذه العشر المباركة، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) متفق عليه. وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري.
وهي في السبع الأواخر أقرب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي) رواه مسلم.
وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين) رواه مسلم.
هذه العشر المباركة بما فيها هذه الليلة المباركة هي مما أنعم الله به على هذه الأمة التي وإن كانت أعمار أبنائها قصيرة مقارنة بمن سبقهم من العالمين إلا أن هذه المواسم وما ماثلها من المواسم هي منحة ومنة امتنها الله بها علينا، فجدير بنا أن نستغل هذه المواسم خير استغلال ونستثمرها خير استثمار ونسعى جاهدين لتهيئة الأسباب المعينة لنا على ذلك كما يفعل التاجر ببضائعه وعماله ومتجره في مواسم الدنيا من بيع وشراء ونحوه والتي لا تتعارض بلا شك مع دين الله ما دامت في طاعة الله ووفق ما أمر به جل وعلا، لكنني طرحت هذا المثل لعرض تلك الجهود المضنية والجادة في سبيل نماء تجارة الدنيا، أفلا نكون لتجارة الآخرة أشد حرصاً؟؟!!، سؤال مهم لنا خصوصاً في بداية هذه العشر الأخيرة من رمضان فربما يأتي رمضان القادم ونحن هناك تحت أطباق الثرى وقد حيل بيننا وبين ما نشتهي في تلك الدار التي معلق على بابها لافتة تقول هنا المقبرة!!!!.
|