لما تكفل الله - عزوجل - بحفظ القرآن الكريم من العبث فيه، والتلاعب في أدائه، سَخَّرَ ناساً أتقياءً بررةً، نذروا أنفسهم لحفظه وفهمه، والدفاع عنه، وأوضحوا بعد التتبع والاستقراء أركان القراءة الصحيحة.
قال الحافظ (ابن الجزري) في (النشر) (9:1): (كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه من وجوه النحو، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردُّها، ولا يحل انكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين. وهو مذهب السلف قوله:(ولو بوجه) أي: من وجوه النحو، سواء كان أفصح أم فصيحاً، مجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالاسناد الصحيح.. فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو، ولم يعتبر إنكارهم، بل أجمع الأئمة المقتدى بهم من السلف على قبولها.
قال (الداني): (أئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل، والرواية إذا ثبت عنهم لم يدرها قياس عربية، ولا فشوّ لغة، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها).
وبذلك حمى الله عزوجل - القرآن من عبث العابثين، وانتحال المبطلين. قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
( * ) دمشق |