تبدو غربة الإسلام يوماً بعد يوم كلما بعد الناس عن دينهم وعن عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم ولاشك أن الرؤيا الصادقة حق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).
ولكن كما قيل: (ما هكذا تورد الإبل) فقد ظهر منذ عدة سنوات على مسرح الحياة أناس نصبوا أنفسهم لتفسير المرائي والأحلام في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وعلى الهواء مباشرة وخصص لهم لقاءات وبرامج وخاطبوا الناس من فوق المنابر، ومن خلال أشرطة نشروها وقد خرج هؤلاء بتفسير الرؤيا عن الحد الشرعي من جوانب عدة منها ما يلي:
أولاً: ان هؤلاء خرجوا بهذا المنهج عما عليه سلف الأمة الذين هم خير هذه الأمة ديناً وأصفاها عقيدةً وأسلمها قلوباً ولنا فيهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة إذ لم يكن تأويل المرائي والأحلام وتفسيرها في فترة من فترات حياة الأمة بهذا الشكل من الإعلان والإعلام كما يظهر هؤلاء المعبرون.
ثانياً: ان العجيب في أمرهم أن الواحد منهم بدل أن ينصح من يتصل به على الهواء ويوجهه إلى ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من رأى رؤيا تراه بدلاً من ذلك يسارع إلى تفسير الرؤيا قبل أن ينتهي الرائي من عرضها عليه.
ثالثاً: ان لهؤلاء المعبرين أثراً في زعزعة عقائد الناس وإيجاد العداوة والبغضاء بينهم لأن بعض تأويلاتهم تنطوي على إفساد العلاقات بين الناس وخاصة بين الأقارب والجيران والأزواج.
رابعاً: ان هؤلاء المعبرين يزعمون أنهم بهذا العمل يقدمون للأمة أعظم خدمة ويحتسبون ذلك في زعمهم مما يُخاف بسببه أن يُتخذ هذا العمل منهجاً ومسلكاً فإن المعبرين للمرائي والأحلام يزدادون يوماً بعد يوم.
خامساً: ان بعض هؤلاء المعبرين للمرائي وإن زعموا أنها موهبة فإن جل اعتماد بعضهم على أمور مكتسبة أخذوها من كتب فيها من الخرافات الشيء العظيم مما لا يتداول في هذه البلاد حرسها الله من كل سوء.
سادساً: انه يخاف على عوام الناس والجهلة والرعاع من الغلو في هؤلاء واعتقاد انهم يعلمون الغيب لما يوردونه من التأويلات التي تلبس على الناس أمر دينهم وقد قال الله عز وجل : {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله) وفي الأثر ما معناه: (أنه ما حدثت قوماً بحديث لم تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لهم).
سابعاً: ان هؤلاء المعبرين بالغوا في تأويلاتهم للمرائي وخرجوا من شيء إلى شيء فلا يسأل أحد عن أي أمر رآه إلا ولديهم له تأويل، ويفتخر بعضهم بأنه يتصل عليه آلاف من الناس يسألونه عن تفسير المرائي، وأنه لديه خمسة أرقام للاتصال، ويملي بعضها بنفسه على الناس خلال بعض القنوات، ولا يستحيي بعضهم أن يفسر أي حلم.
ثامناً: ان تعبيرات بعض هؤلاء تضمنت الدجل على الناس وتضليلهم فأيام الحرب في أفغانستان أظهروا للناس تفسيرات بأن الأفغان سينتصرون في شهر كذا، ثم في شهر كذا ولم يتم شيء من ذلك وبين فترة وأخرى يظهرون تفسيرات بأن المسلمين سينتصرون على اليهود بعد ثلاثة أشهر وتمضي الشهور تلو الشهور ويظهر دجلهم وافتراؤهم وقد تعلق الناس بهذه الأوهام وهذا الدجل والتضليل وإن من يصغي لما يقول هؤلاء يسمع العجيب والغريب.
تاسعاً وأخيراً: لا يخفى - ولله الحمد - على كل مسلم التوجيه النبوي الكريم لمن رأى رؤيا يكرهها، وهؤلاء لا يفرقون بين الرؤيا التي تأويلها خير والتي تأويلها شر بل يقول أحدهم للرائي سوف يأتيك كذا وسوف يحصل لك كذا وسوف يصيبك مرض أو كذا وكذا.
ابراهيم سليمان اللاحم |