Friday 5th November,200411726العددالجمعة 22 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

ولاسمي.. نُطْقٌ آخر ولاسمي.. نُطْقٌ آخر
قصة قصيرة
فاطمة عبد الله النويصر*

أخذت تلاعب.. طفليها.. تبادلهما ضحكات.. وسرورا.. لا يكاد لهما حد.. أتاحت لشوقها.. غير الممنون.. أن يتراقص معهما.. فرحاً.. وأنساً.. ولهفة.. وانسيابا.. سمحت لباطنها.. المتوهج ولعاً.. وحياة.. وشروقا.. أن يغطيهما.. واستمرت غبانها.. لا تكف لا تذكر يوماً.. أنها ملت احتضانهما.. كان الطفلان.. كطائرين.. يحلقان.. حولها.. ويرسلان.. بتغريدهما.. فتتلقاه.. نغماً.. سلساً.. يداعب.. مسمعها.. ووجدانها الغيور.. الطامع.. لديمومة.. هذا الإيقاع وبينما هي كذلك.. امتثلت أمام.. ناظريها.. ملامح.. الأب.. ذيك.. التي قررت أن تنساها.. وقفزت بها إلى تلك اللحظات.. التي جعلتها تتوارى منذ وقت.. ولكنه القدر يحتم عليها.. بقاء هذه.. العاصفة التي لا تتأخر.. في هبوبها. متى شاءت.. وهنا.. توقف الطائران عن التغريد.. توقفاً بطيئاً.. انتهى بشرنجة.. ونحب.. وكأن اللحن.. غدا أشجانا.. وفي هذه اللحظة أخذا.. يتأملان الأم.. يبحثان.. عن إجابة.. لسؤالهما العابر.. ما الذي حدث.. فكشفت.. تانك الدمعة المنحدرة.. عن أسف دفين.. قد ظهر.. اقترب الطفل.. من أمه.. وقد غطى وجهه الحزن.. ونادى بحرارة.. ما الذي قلب حالنا.. يا أماه.. ماذا قد نكّد خاطرك.. وقطع جماح فرحك.. وأنت قبل لحظات كنت في فرح.. وأنس.. ينبثق منك ونتراسله معاً.. فهل أنت متعبة.. صممت الأم.. ونابت عنها دموعها.. احتار الطفلان.. واعتلاهما خيبة تصرف.. فيما حولهما.. اقتربا أكثر.. حاول أحدهما.. أن يمسح هذه الدموع.. بيد طفولية حانية.. لا يختلجها زيف أو تكلف.. واختار الآخر.. أن يكتنف أمه ضماً واحتواء. وأخذا.. طويلاً.. تبزغ حولها براءتهما وخلاصهما الحسي لها.. احتوت بيديها.. كلا الطفلين.. وهي تتوجس حاضراً مهيباً.. ربما وقع.. تنهدت.. رويداً.. بعدها.. باحت ببعض كلمات.. بدت غير ذات معنى.. على مسمعيهما.. ولكي تبدِّل.. من هذه الأجواء.. أخذت بيد كل واحد إلى إحدى غرف المنزل.. كلفت أحدهما بإنجاز عمل.. والآخر بعمل يختلف.. ونبهتهما.. إلى ضرورة الإتقان.. ثم انصرفت لتكمل.. جانبا من الأعباء المتبقية.. وبينما هي كذلك.. سمعت طرق الباب.. ذهبت لتعرف.. طارقه.. فإذا بمرسول.. من والد الطفلين.. يوصل إليها.. جملة من الكلمات.. كانت كل كلمة منها.. بمثابة سكين.. تقطع أجزاءها.. وسيفاً يتمم عليها.. نهايتها.. التي لم تحن.. ذهب المرسول.. ووقفت هي.. متسمرة.. تتخللها.. آهات الحسرة والألم.. التي ظلت تحتفظ.. بأساريرها.. الدؤوبة.. تحاملت.. ولجت إلى المنزل.. وخطت.. مهرولة إلى المكان الذي.. يرتع فيه الطفلان.. فوجدتهما.. منشغلين بما وُكِّل إليهما.. وقفت على الباب ملياً.. ثم اقتربت تنظر إلى ما لهت اليه.. الأيدي الطفولية.. فبادرها أحدهما.. بسؤاله: أمي.. هل يعجبك هذا..؟ ثم أردف الآخر.. انظري يا أمي.. وقع نظرها.. على هذه الأعمال.. ولكن ذهنها.. قد جاب.. بعداً آخر.. لم ينتبه الطفلان لذلك.. فأعاد أحدهما السؤال.. لعل هذا الصمت يجيب!! أمي: كيف هو عملي؟ تنبّهت وكأن صوتاً.. يناشدها الرد.. أعادت النظر ثانية.. ثم قالت: هل أساعدك؟ فأجابها: ألم تسمعيني يا أمي؟ قالت: ماذا؟ قال: كيف رأيت عملي؟ أجابته: إنه رائع من يد ذكية.. ثم أكملت.. وأنت أيضا عملك ناجح ويدك فيه ماهرة.. جلست بين هذه الأعمال.. تحرك يديها.. لتشارك الصغيرين فرحة.. الاعتماد والثقة السائبة.. في الانشغال بتلك الأعمال.. ولكنها وهي تفعل.. ذلك لا تكاد تفقه.. ما الذي تصدره يداها.. لمساعدتهما.. فذهنها.. قد شرد بعيداً إلى ذاك المستقبل.. الذي يهددها.. ويخطف منها لحظات سعادتها معهما.. ولم تمتلك قواها.. فخرت ثانية.. بالبكاء.. وضمت طفليها.. بشدة.. وهي تشعر.. أن أحداً ينافسها.. هذا الشد.. ولأنها لا تستطيع أن تبوح.. لا تقدر أن تفضح سبب خوفها.. لا يمكنها ان تشرح ذلك.. فقد.. فضّلت الكتمان.. واكتفت أن يكون.. ما بداخلها.. ألماً.. تمضي به أمامهما.. كي يطمئنا.. واسترسلت لهما.. بأن هذا سيزول الآن.. وفي الغد.. قررت أن تخرج مع طفليها.. إلى أحد المحلات المجاورة.. وهي تهدف.. نقلهما إلى المرح.. واللهو.. باختيار.. بعض ما يناسبهما.. وصلوا إلى المتجر.. كانت يدها تقبض بحذر يد الطفل.. ويدها الأخرى كذلك.. تنقلت معهما.. وهي ترى الونس. يتخللهما.. واشتركت معهما في الاختيار.. وأسرعت إلى مكان الحساب.. وكأن قوة تطاردها.. وبعد أن انتهت.. أشارت إلى طفليها أن يسرعا.. وركب الجميع.. متجهين إلى البيت.. وفي الطريق.. اشتد عناءها.. وسيطر عليها هاجس الخوف.. وتوهمت أن خطفاً سيقع على ابنيها.. فأشارت إلى السائق.. أن يسرع.. ويضاعف سرعته.. وبلطف الله وصلوا إلى المنزل.. هرولت بهما.. إلى الداخل.. انصرف الطفلان.. يهلوان بما لديهما.. من جديد.. واتجهت الأم.. تؤدي فرضها.. وتناجي ربها.. بشيء من ما يكنه.. وجدانها.. وينطلق به لسانها.. وخلصت إليه.. متوسلة أن يحفظ طفليها.. ويشرح صدرها.. سكينة واطمئنانا..
وفي يوم.. يتوجب أن يحكي فيه القدر.. وصل إليها.. ذلك المرسول طالباً منها الحضور.. مع طفليها.. إلى منزل الأسرة الكبير.. ناشدته.. أن يفيدها ما الخبر.. ولماذا يستعجل حضورهم؟.. أجابها: ستعرفين.. عندما تصلين.. ذهبت.. مع طفليها.. مستسلمة لأمر الله.. وقد أيقنت.. أنه تعالى قد كتب على نفسه الرحمة.. ولت.. وهي تحمل هماً قاسياً.. وشروداً راكناً.. وروحاً متألمة.. انتقلت مع طفليها.. مترددة بين قدر سيعلن لها.. وبين قطوف من الأحزان لا تجف.. وبين مصير جارح ظلت تنتظره.. وتعيشه.. حتى اللحظات.. وعن بعد.. من المنزل شاهدت.. هذا الجمع الكبير.. وهذه الفئات المتلاحقة.. وأكواما من البشر هنا وهناك.. فما الأمر.. وما الذي يتجمع الناس.. من أجله.. هل نُدعى إلى فرح أو عرس.. بهذه الطريقة.. وهل يُوتى بنا إلى دعوة.. بهذا الأسلوب.. لا.. لا أظن.. الواقع كذلك.. وبينما هي.. تحاول تجاوز هذه الخواطر.. وترمي بها.. جانبا.. وصلوا إلى المنزل الكبير.. ورويداً.. استعدت للدخول مع طفليها.. صرخ أحدهما.. أمي.. من هؤلاء.. إني خائف.. هدأت من روعه.. وطمأنت الآخر.. وسرت بهما.. إلى الداخل.. هناك.. بدا الصمت.. سائداً.. ولا يُسمع.. سوى تمتمات خافية.. انزوت الأم.. جانباً.. بعد أن أدت واجب العزاء.. اقتربت اليها.. إحدى الأخوات.. تروي لها.. كيف وقع المصاب.. وكيف نال الموت من الأب.. وتوسلت إليها.. أن تطلب له الرحمة.. وتُجرد قلبها.. مما حمل له.. فقد كان القاسي.. المكابر.. المهدد.. حين أوشك.. على أخذ طفليها.. إكمالاً لجبروته.. ونفسه التي لا ترحم.. والآن.. قد رحل.. وحال الموت.. بينه وبين نواياه وقصم عن روحها.. ذلك الكابوس.. والأوجاع.. والمخاوف.. ابتعد.. من حيث لن يعود وهي.. بعد هذه اللحظات.. تُقاسم.. شعورها المنشطر.. بين هم كامن.. تمنت زواله وبين تاريخ جديد.. سيحلُّ بهذين الطفلين.. حيث أصبحا.. باسم.. آخر..

(*)الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved