كنت أعيش في غابة التساؤلات والأحزان.. قبل أن تقبلي.. وكان السؤال الحزين الذي أتكئ عليه يصرخ بلا صوت: ما جدوى ابتعادك عني؟ وأي سبب قد يتمدد في المسافة الكبيرة التي تفصلك عني.. ويبررها.. ويجعلها أمراً معقولاً منطقياً.. أي سبب وقح هذا الذي يستطيع بجسارة إلغاء الأفكار النبيلة والمشاعر الدافئة الصادقة والإنسانية التي يحملها أحدنا للآخر.. ثم ألا يكفي أن تصبح هذه الأفكار والمشاعر سبباً يملك قوة خيالية لجعل المسافة تتقلص فيما بيننا.. ثم يعصف بها.. وبالناس.. ويجعل أحدنا يسكن الآخر.
ما جدوى ابتعادك عني أيتها الغالية؟ كان هذا هو سؤال لم يجرؤ أحدنا على طرحه.. أنت لفرط براءتك.. وأنا لكبريائي العملاق..
ولكن السؤال ازهر أخيراً. وهو يتوقع أن أكف عن اللقاء بثقل (حيرة أيامي) عليه بعد أن تغير حاله.. وتلون بلون آخر.. ونما بسرعة كبيرة. وفوجئت به يتنهد بعجز: وما جدوى اقترابك؟ ماذا يعني تقلص المسافة فيما بيننا.. وإن كنت أقرب من ظلي.. واختلطت أنفاسنا الحائرة.. والتقت نظراتنا بتساؤلات خجلة.. وتنكرين على نفسك تساؤلات كهذه، فتغادر عيناك محياي.. لتلقي بخيبة الى اطراق طويل.. وانسحب أنا من قربك الذي يزيد من اتساع جراحي.. ويلتقط من الأنفاس المتسللة الى جسدي معنى الحياة.. وأسير الى نافذة قريبة.. واطرح بأحاديث الشوق منها، والأسى يقتلني من صمتك.. ومن خيبة أملي الكبيرة التي تتمثل في (قربك) الهارب مني..
كأننا جسدان وقد انسلت منهما الحياة..وقد احتواهما قبر.. فالقصة انتهت.. ولم يعد هناك ما يقال.. سوى الأسى يرتمي على جنبات القبر الموحشة..
المسافات تضحك منا.. تقول انها قد غزتنا.. بل انها قد سكنتنا منذ اللحظة التي تروي قصة المصافحة الأولى بيننا.
ضحكاتها أمطار تنسكب في دواخلنا..
هل لديك ما تستطيعين قوله.. فتخرسين تلك الضحكات الآثمة..؟
لا.. ليس عليك أن تقولي شيئاً.. أبكي.. دعي برد المكان يضيع في دفء مشاعرك.. اغسلي بدموعك الطاهرة الساحنة خطايا زمان بخيل.. وأميال قاتلة.. وعيناك الرخاميتان.. حينها.. سأقوم أنا بانتزاع المسافات من حيث تسترخي.. وأقوم بشنقها وإرسالها إلى أرض لا تزورها الذاكرة.. أو الأفكار أو المشاعر..
وأوقف المطر..
التفت إلى المرآة المحاذية للنافذة فأرى وجهك.. ينظر إليّ بعينين جافتين عاجزتين.. فاعلم انه ليس بمقدورك انتشالنا من قبور المسافات.
إذن
اضحكي وحسب.. وبهدوء.. و(حلم).. دعي عينيك ترويان لي قصة ألف انتظار..
الرياض |