شجرة العنب تتمدد في استرخاء على أرض الحقل. كل شيء فيها بدأ يضج بالخضرة.. فموسم نضوج العنب شارف على الحلول. براعمها تتسابق إلى أخذ وضع الانبساط. أصبحت مهرجاناً من الألوان يتراوح بين الخضرة القانية وخضرة فاتحة تتيه بها الوريقات الجديدة في أطراف الشجرة.
وأخذت حبات صغيرة صلبة تنتضد في عناقيد بشكل جذب، هي الأخرى تتميز بخضرة مصفرة عن باقي أجزاء الكرمة.
كنت مكلفاً من قِبَل والدي بأن أتعدها بالرعاية لهذا الموسم، وذلك بلف العناقيد بطبقة من ليف النخل الطري بطريقة تسمح لها بالتمدد، في الوقت الذي تجبها عن أعين الطيور المتطفلة التي يستهويها مذاق مائها الحلو، وأرفع أغصانها الطرية في الهواء بعيداً عن التربة حتى لا تفتك بها الآفات الأرضية.
لف العناقيد لم يكن بالمهمة الصعبة، لكن رفع الأغصان عن الأرض يتطلب الحصول على دعامات ذات مزايا خاصة.. فبالإضافة إلى السمك المعتدل كان يجب أن تحتوي آخر كل دعامة على تفرع بحيث يتشكل من ذلك التفرع زاوية يتم اسناد أطراف الكرمة المنبطحة عليها.
كنت أبحث حولي عما يصلح للمهمة حين شد انتباهي من فوق سور الجريد الذي يطوق الحقل أطراف شاحبة لشجرة أثل عجوز متهدلة الأطراف كانت تتغذى على رطوبة التربة من حولها.
حملتُ فأسي ويممت شطرها وقد وجدت بغيتي فيها.. فروعها رغم جفافها كانت لا تنكسر بسهولة، فكلما ضربت أحداها جضت الشجرة بكاملها. أدركت أن المنشار أجدر بالمهمة، وبالفعل حققت به قدراً كبيراً من العملية. كان المنشار يمضي بسهولة داخل نسيجها حتى إذا لامس الجزء الرطب في أعماقها بدأت عصارة خضراء تقطر على نصله الحاد.
حملت ما جمعته من الأثلة التي لم يبقَ منها شيء يذكر، وفردت عليها أغصان الكرمة الخضراء الرقيقة بعد أن تأكدت من تثبيتها بقوة في الأرض، وأخذت أتفقدها بين الحين والآخر وألاحظ كيف تكبر وتستدير حبيبات العنب.. يفتح لونها وهي تكتظ بعصارتها الغضة، وأحكم غطاء الليف حول العناقيد وأتأكد من متانة العريشة التي صنعتها.
وفي ذات يوم وأنا أقوم بعملي كالمعتاد رأيت ورقات إبرية الشكل تتخلل أوراق العنب المفلطحة. تتبعتها فوجدتها تنتهي إلى فروع الأثلة. فحصت بقية أعمدة العريشة فوجدتها وإن اختلفت في مدى اخضرارها إلا أنها كانت جميعها تنمو من جديد..!!
|