الشيخ زايد .. الحكمة والطموح

ستظل المنطقة تذكر الشيخ زايد بن سلطان باعتباره واحداً من رجالاتها الذين أرسوا معالم لا بد منها ، من أجل عالم عربي متعاون على أسس من الاحترام وتقدير موجبات وأواصر الأخوة الحقة ، فقد حرص هذا الرجل على ممارسة هذه الأخوة سياسة معاشة على أرض الواقع ، مسجلا حضورا متميزا في المحيط العربي من خلال هذه الحنكة التي ارتبطت به وميزت شخصيته .. فالساحة العربية كانت طوال الفترة الماضية بحاجة إلى مثل هذه الروح التي تتجدد معها هذه الإيجابيات ، والتي تضفي على الساحة العربية قدرا مما هو مطلوب من العوامل التي تصب في خانة التضامن والتعاون.
فقد كانت تجربة الشيخ زايد داخل بلاده من خلال توحيده الإمارات السبع معا درسا بليغا في ساحة عربية ، طالما تنازعت بعض أطرافها واحتربت بالقدر الذي باعد بين أطرافها ، غير أن تجربة زايد في بناء الدولة انطلاقا من توحيد الأجزاء المتناثرة ظلت تعكس على الدوام مبدأ أصيلا في سياسات الشيخ زايد ، وهو مبدأ يفصح عن نفسه في شكل سياسات عملية تظهر بصفة خاص في تمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بصلات وثيقة وقوية مع جميع الأشقاء العرب والمسلمين ، فضلا عن سعيها لإبعاد التوترات والصراعات بين الاخوة .. وفي هذا المقام فإن لتجربة الشيخ زايد أبعادا مؤثرة في مجمل الوضع العربي ، من جهة إبعاد التوترات من العلاقات الثنائية وإصلاح ذات البين بين الأخوة وإحلال التواصل ، وذلك من خلال متابعة لصيقة تواكبها حكمة الشيخ الوقور الحريص على تماسك أسرته العربية ، مثلما حرص وحافظ طوال أكثر من ثلاثة عقود على واحدة من التجارب الوحدوية العظيمة المتمثلة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
هذه الشخصية المنفتحة على التطلعات والهموم العربية والإسلامية ، كانت في حالة استقصاء مستمرة للأوضاع بما فيها السياسية والاقتصادية والإنسانية التي من شأنها الدفع بمقومات الأمة إلى الأمام ، غير أن الأوضاع في بعض أنحاء محيطنا العربي والإسلامي كانت تتجاوز في أحايين كثيرة قدرات بعض الأنظمة والحكومات على السيطرة ، كان ذلك على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الإنساني ، وعلى كافة هذه الأصعدة كانت تتجلى عطاءات حكماء الأمة ومنهم الشيخ زايد من خلال مد اليد العون والتدخل المرغوب فيه لرفع المصاعب والتخفيف من آثار الكوارث .. لقد كان هذا الحضور إضافة لا غنى عنها لأمة تتطلع لتجسيد معاني الأخوة ممارسة معاشة على أرض الواقع ، وقد مثل الحضور القوي للشيخ زايد مع أشقائه الآخرين في دول الخليج خصوصا ، منظومة متفردة في التعاون الثنائي الخلاق ، فضلا عن أن التحرك الجماعي للإمارات وشقيقاتها في دول مجلس التعاون ، جسد واحداً من الآمال العربية ونموذجا لما يمكن أن يكون عليه العمل العربي المشترك.