نشرت إحدى الصحف المحلية منذ فترة قريبة خبراً في صفحتها الأخيرة، حول مجموعة من الإخوة قد اشتكوا زوجة أبيهم إلى القاضي بحجة أنها.. سحرتهم، مما أدى إلى إصابتهم بالكثير من المصائب والأمراض، والمصيبة هنا أنهم رفعوا شكواهم إلى الجهات الرسمية للنظر فيها وإنزال العقوبة.
والمفارقة هنا تحدث عندما نوظف ما يحتاج إلى إثبات وقياس وأدلة لقياس ما لا يقاس أو بعبارة أوضح يعبر عن خزعبلات وهواجس وأشباح، وهي المواجهة بين العقل الصارم الحسي وبين إرث اللاعقل والخرافة التي سيطرت وما زالت تسيطر على البشر لقرون طويلة والسؤال هنا: كيف نتقصى اليقين بالوهم؟ ما مقاييس الساحرة قانونياً لتطبق على زوجة الأب ومن ثم توقع بها العقوبة؟؟ وما مقدار العقوبة موازاة بحجم الضرر، وهل جميع السحر قادم من زوجة الأب؟؟ يذكرني هذا الخبر بأحد السباحين التي أوردها الأديب(عبدالكريم الجهيمان) في كتابه (أساطير شعبية) حول شيخ قبيلة تزوج بصبية صغيرة ففتنته مما جعله يهبها قطيع المجاهيم من إبله، فسبب هذا غيرة شديدة لأبنائه مما جعلهم يشكونه للقاضي بحجة أنها سحرته، وعندما استدعاها القاضي للمثول بين يديه ومواجهة التهمة، اعترفت بأنها سحرته ولكن بالسحر الحلال الذي يظهر في جمالها ودلالها وحسن خلقها ومعشرها.
جميع هذا يحيلنا إلى أننا ما برحنا نعيش في زمن الخرافة، وما برحت الساحرات تحلق فوق سماواتنا بداخل جذع نخلة، وما برحت مرجعيتنا المعرفية الأهم على ما غمض واستغلق على أفهامنا من الأمور نرجعه إلى الظواهر الغيبية الغامضة مثل.. السحر.
أكبر القفزات البشرية في العصر الحديث تمت بين زمن الخرافة وزمن السحر وعندما استطاع العلم أن يحرر الساحرات من أعمدة الحرق الذي كانت تمارسه الكنيسة ضدهن آنذاك، واستطاع العلم من خلال ثورات علمية متكررة ومتعاقبة، ومن خلال الكثير من الأثمان الغالية أن يدك قلعة الشعوذة والخرافة، ويستبدلها بأدوات القياس الموجودة في المختبر خلال ما يسمونه بعصر الأنوار.
ولكننا مع الأسف ما برحنا خارج التاريخ نتداول هذه القصص والحكايات كفاكهة المجالس، ضمن قناعات تامة ومتيقنة لا تقبل النقاش، ومن خلال هذا تختطف الخرافة مشاكلنا باتجاه دهاليزها الغامضة ونبقى في تلك القلعة.. بلا نافذة، أو قنديل..
|