لا تتوقف الدهشة التي تبثها دولة الإمارات المتحدة، فكل ما تقوم به الآن يبعث على العجب الأقرب إلى اختراق الزمن بكل ظواهره الصوتية والزمنية، بل واختزال جميع أدواته في لحظة.
وبينما كان الناس يتلقون هذا الاستنفار العصري في إدارة دفة الحياة الاقتصادية والسياحية، وقبل ذلك السياسية كأول حكومة إلكترونية في الوطن العربي، فقد تزامن كل هذا في لحظة اختيار امرأة لإدارة وزارة كاملة بكل أحمالها وأوزارها هي وزارة الاقتصاد والتخطيط، كما أن أول وزيرة في الإمارات الشيخة لبنى القاسمي لم تأت من حياة مترفة فجأة ومن دون مقدمات إلى بوابة هذه الوزارة، بل إنها أتت بخمسة عشر عاماً من الخبرة، ومن تدرج تعليمي ووظيفي يطغى عليه الكفاح، بعد ما استوقفتني مقابلة لها في إحدى المجلات قبل أكثر من شهر بقليل، حين أكدت عصامية مسلكها، وأنها أتت في زمن الفقر وكيف كانت تلجأ إلى استعارة ملابس شقيقتها الكبرى للحاجة والضيق المادي، وأنها لم تجد فرصة مادية تدعم طموحها الوافر حينذاك للابتعاث والاستزادة العلمية, بعد أن تكفلت بالمهمة إحدى الشركات الخاصة.
ما يهمني من هذا أن (اختطاف) هذه المرأة لهذا المنصب الرفيع في بلادها لم يأت لكونها سليلة إرث اجتماعي يميزها عن باقي النساء هناك, بل إنها كانت تحظى به، في حين أنه لم يقدم ولم يؤخر إلا بما برعت وتميزت به مؤخراً، خصوصاً في مجال ثورة المعلومات وحصولها قبلاً على عضوية مجلس أمناء في كلية (ثندربيرد) في الولايات المتحدة، وكأول سيدة أعمال إماراتية تحظى بذلك المنصب.
كما أن تتويجها أتى متوافقاً مع ما تتضمنه الثورة المعلوماتية من تطور هائل أصبح ملحاً وخارجاً عن عادات الروتين وتقاليد البيروقراطية، التي أصبحت عائقاً ضخماً حيال مسيرة التقدم أياً كان شكلها، وهو رسالة واضحة لكل من يدأب على العمل باجتهاد، وأن شخصية قيادية طموحة تخلص لعملها وميولها وتبرع فيه خير ألف مرة من شخصيات عدة تتراكم وتتزاحم على منصب أو وظيفة بدافع البروز أو الكرسي بعيداً عن ألق البحث والتطور، والتي تميز بها مجال الثورة المعلوماتية التي لا تعترف بخبرات فقط, أو علاقات اجتماعية تصنف أناساً دون غيرهم، بل بما يصب في هذه الشبكة وقبل ذلك ما تملكه العقول المنتجة الملحة على ولوج بوابة النجاح, خصوصاً من امرأة خليجية وتنتمي إلى عائلة حاكمة لم تتحكم بقيود التأويل ولم تمانع أبداً عندما سردت جزءًا من تعبها وماضيها الشاق بكفاح، ولم تبالغ أو تضع نفسها في غير إطارها الصحيح.
أما أين موقعنا نحن من هذا السرد أو الإطراء على مثل هذه الأحداث، فإنها بالنسبة للمرأة هنا ليست أكثر من تقليب المواجع، وأكثر وقعها إيلاماً أن تتقاطر الأخبار الشبيهة من هنا وهناك، وأن طموح الكثيرات هنا سيبقى في (ذمة لبنى) التي زادت أوجاع نساء هنا يمارسن سطوة الصوت والفعل المسموح به، والاستجداء للمشاركة في الانتخابات البلدية، حيث إن أكثرهن لا يزال غارقاً في تفسير المواطنة، وهل هي حق للرجل دون المرأة؟ ولماذا يسقط هذا الحق عن المرأة؟!!
كلها أسئلة في الوقت الضائع الذي يبدو أنه حيال مثل هذه الأخبار يجعلنا نتأكد كم من الوقت والجهد نبذل على ردود أفعالنا, إذا كان معظمها عقيماً ولا يؤتي أكله بالكتابة أو إقناع البعض الذي لا يرى أي مبرر أصلاً، لوجود المرأة خارج المطبخ أو خارج غرفة الولادة!
|