منذ بدء هذا الشهر الكريم، ولياليه الأولى التي ابتدأتها بعض النساء بالصلاة مع الجماعة في المسجد، حيث لا يُمكّنهن جوّ البيت من أدائها بشكل يليق بجلال هذا الشهر وبركته.. بدأتُ ألحظ شيئاً يتدفق بسخاء، ولربما هو موجود ولم ألحظه قبلاً..
فبمجرد أن تدخل المرأة - والفتاة على وجه الخصوص- إلى المسجد تتلقاها النساء الكبيرات -بخاصة- بالسلام، والتهنئة بأن أحياها الله تعالى لتعمر شهر رمضان الكريم بالخيرات، والدعوات الباسمة التي لا تكاد تنقطع كلّما تلاقت الوجوه أو الأعيُن.. تشعر بأنها مدعوّة من قبل، وجميعهنّ كُنّ في انتظارها، وأنهن يعرفنها، وهي تعلم -يقيناً- أنهن لا يعرفنها اسماً وكنية! ظاهرة نفتقدها.. ربما في جوف بيوتنا الصغيرة، وليس في جوف لقاءاتنا الأسرية العامة.. ظاهرة تُفيض غمائم من الفرح، والدفء، والشعور بأن الفتاة تمتد في قلوب النساء الأخريات -والكبيرات بخاصة- كضلع من أضلاعهن.. تجد مَن تداريها بعينيها البارقتين من كل جانب، وفي كل لحظة.. نجد شفاهاً لا تكف منها تلك الدعوة الحميمة: (الله يمتّعكم بشبيِّبكم)! (الله يطعمكم بركة شبابكم ويصلحكم ويهديكم)!.. تجد مَن تشعر بعطشها قبل أن تُدركه العروق، فتستبق إليها بالماء البارد العذب.. تجد مَن يُعلِّمنها أن تكسر تلك الزجاجة التي حبست نفسها فيها من الجفوة، والانكفاء على النفس، والبُعد عن مجالس النساء الشريفة، أي مجالس الذكر والتذاكر الحسنة، بعيداً عن فتن القيل والقال التي أصبحت كالمرض الفتّاك المعدي.. والخفي أيضاً. تلك اللفتات الصغيرة تظل نجوم فرح ودفء تورق في أشجار ذاكرتنا العجوز اليابسة، وتضخ فيها الحياة الدافئة من جديد، فقد جئنا نبحث عما عند ربّ العباد الرحمن الرحيم، فأكرمنا بما عند لطيف خلقه، فهو الحنّان الكريم.
*معيدة في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية |