أخيراً صارت الكلمة تعنينا بقدر ما تعني الآخرين ، فلو أن عنوان (الانتخابات) جاء في صحيفة محلية ولمقال تكتبه امرأة سعودية ، عندما كانت المعركة على أشدها بين بوش وآل جور قبل تاريخ اليوم بأربع سنوات ، كما هو الحال في هذا التوقيت من هذا العام في معركة بوش وكيري ، لما كان أحد سيظن أن المقصود غير الانتخابات الأمريكية .. أما اليوم فقد لا يذهب الذهن حصرا إلى انتخابات الغير عندما نرى كلمة انتخابات مكتوبة لدينا ، بل إن الأقرب إلى العقل والقلب أن نخال ونتوقع أن المقصود بهذه الكلمة (المشتهاة) والمأمولة هي انتخاباتنا المقبلة ، ويعزز استعذاب هذا الشعور بأن كلمة انتخابات لن تكون كلمة نائية عنا وبعيدة المنال ، بل إنها آخذة في التحول والنضج لتصبح من المفردات الأليفة في لغتنا اليومية المكتوبة والشفهية التي تزيدنا شفافية ووضوحا في التعبير عن الانتماء والولاء والحب لأرض وناس هذا الوطن ، فلابد أننا نشعر - وقد بدأ يقترب الوقت بنا وبأحلامنا مواطنين وقيادة من بدء العملية الانتخابية الأولى ، التي تتمثل طليعة تجربتها بعد الانقطاع الطويل عنها من عهد الملك عبد العزيز رحمه الله عليه في الانتخابات البلدية القريبة اليوم - بأن كلمة انتخابات ليست بالغموض والتعقيد الذي طالما وقر في أذهاننا ، وإنها وإن كانت تتطلب أن نكون كمرشحين وناخبين على قدر من الوعي والمسؤولية ، فإنها لا تتطلب ولا تنجح لو تعاملنا معها بقدر من الاستخفاف أو التهيب ، الذي يشل قدرتنا على العمل الحقيقي بها وتوظيفها بما فيه نفع مجتمعنا ، فالعملية الانتخابية هي مجرد آلية للمشاركة العامة العادلة في تلك الشؤون التي تعني المجتمع ، ومثلما قد يُفشل العمل بهذه الآلية الاستخفاف بها وعدم الجدية في تقدير مردودها في خدمة المصلحة العامة لو وظفت التوظيف النزيه ، فإن التخوف منها والرهاب الاجتماعي أو السياسي من التجربة قد يغلها ويفقد المجتمع عنفوان وعفوية التجربة ومذاق التعلم منها والعمل بها ،
أقول قولي هذا وأتوجه به لنا جميعا وخاصة إلى تلك القيادة الوطنية التي امتلكت البصيرة وشجاعة القرار ، لان ترى أهمية عدم إرجاء الشروع في التجربة الانتخابية خاصة في هذه المرحلة التي اصبح الإصلاح مطلباً لا يقبل التأجيل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
فعلى المستوى الداخلي ليس سرا أننا نمر بمواجهة اجتماعية يمثل التهديد الأمني المتمثل في (التفجيرات والعنف) أحد أقسى أشكالها ولا تكفي في علاجها الحلول الأمنية وحدها ، فكان لابد من فتح الباب لتتحمل مختلف القوى الاجتماعية مسؤوليتها مع الدولة في تعضيد الوحدة الوطنية ، وفي إيجاد أطر للعمل المدني والأهلي تتكامل في عملها مع الأجهزة الرسمية لاستيعاب المتغيرات وحماية المنجزات ومحاربة الفساد ومعالجة الأزمات من استشراء البيروقراطية والمحسوبية والرشوة على سبيل المثال ، إلى فك خناق البطالة والتعليم الجامعي وضعف الإنتاجية وما إليه من الاختناقات الاجتماعية التي لم يعد يخلو منها مجتمع من المجتمعات المعاصرة .. في نفس الوقت الذي لم تعد اي من تلك المجتمعات في غنى عن مواطنيها لمواجهتها ، خاصة أن السياسة التعليمية السخية التي اتبعتها الدولة عندنا قد خلقت أفواجا جديدة وواسعة من الشباب المتعلم التي اصبح من واجبها الانخراط في العمل العام.
أما على المستوى الخارجي فإن التحديات من الشراسة أنه لا يمكن مواجهتها بغير مجتمع يتمتع بالقاعدة الشعبية وبالضمانات القانونية والشرعية وباللحمة الوطنية وبتصرفات المواطنين المسؤولة في الداخل والخارج ،
وبالنظر إلى هذين المستويين تتضح مدى أهمية أن تحمل التجربة الأولية التي نحن مقبلون عليها في عملية الانتخابات البلدية محمل الجد على المستوى الاجتماعي كما هي على المستوى الرسمي ، ومن هنا أيضا يجب ألا تأخذ هذه التجربة بمحدوديتها كتجربة مقتصرة على الانتخابات البلدية بل تعطى مداها وتأخذ برحابتها كتجربة مهمة ، بما تمثله من قربها من واقع وإيقاع الحياة الاجتماعية في علاقاتها بالاهتمامات اليومية والمباشرة للمواطنين ، وأيضا بما تمثله من إعداد للمجتمع وتدريبه على العمل بآلية الانتخابات كأسلوب من الأساليب الديموقراطية الأساسية في المشورة والعمل العام المشترك.
ولذا فلابد أن نستميت في أن نوفر لهذه التجربة كل أسباب النجاح لتكون نتائجها نتائج مشجعة ودافعة لاستمرارها وتأصيلها ، وهناك كما يُستقى من تجارب الشعوب والمجتمعات والدول التي سبقتنا على هذا الطريق عدة عوامل لإنجاحها ، وهنا نحدد ثلاثة من تلك العوامل مما تعد عوامل رئيسة للنجاح في امتحان هذه التجربة :
أولا : لابد من دخول التجربة بإعداد نظامي واضح ومفصل للأسس والقواعد القانونية والتشريعية والحقوقية لعملية الانتخابات ، فبدون وجود تلك الضمانات وبدون وجود درجة من الوضوح فيها ، وكيفية الاحتكام إليها يصعب التحدث عن تجربة انتخابية يعتد بها وبنزاهة نتائجها.
وإذا كانت اللائحة التنظيمية التي صدرت في التشريع للانتخابات البلدية المقبلة قد عملت على التقعيد لضوابط العملية الانتخابية بكثير من الدقة ، فإن ذلك لا ينفي وجود بعض الفراغات الغامضة التي لم تفصل اللائحة المذكورة كيفية التعامل معها ، ولابد من العمل على تلافيها بمزيد من المراجعة القانونية.
ثانيا : لابد لنجاح التجربة الانتخابية من ثقافة اجتماعية تعمم على قطاعات المجتمع عامة ، وتتيح للمجتمع بمختلف فئاته العمرية ومواقعه الاجتماعية من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات إلى الشيوخ وكبار الموظفين (مرشحين وناخبين) حاضرا ومستقبلا ، المعرفة الثقافية الخاصة بالانتخابات والمتعلقة بها ومن بعض أبجدياتها مفهوم المسؤولية الاجتماعية ، الرقابة المجتمعية ، التشاور ، المشاركة ، التداول ، الاحتكام لرأي الأغلبية ، عدم تجاهل رأي الأقلية ، صراحة التعبير ، التسامح والحوار.
وقد لفت نظري تلك الإعلانات في بعض الصحف المحلية عن دورات تدريبية متخصصة للناخبين والمرشحين في (ثقافة الانتخابات) أو (المعرفة الانتخابية) إذا صح التعبير مما نحتاجه ، إذا لم تكن إقامتها لمجرد الربحية التجارية الخالصة ، كما لاحظت في بعض الندوات الاستعانة بخبرات بعض ممن سبقونا في هذا المجال من دول الخليج ، وسمعت أيضا عن استضافة بعض الخبراء الأجانب ، والإطلاع والاحتكاك بمثل هذه الخبرات عمل مرحلي مشروع ، على ألا نتكل عليها وحدها وعلى ألا تقتصر مثل هذه المعرفة على (النخب) وفي دوائر ضيقة متخصصة أو يكتفي فيها بالجانب التنظيري.
ثالثا : أن يتاح دخول التجربة لكل من تنطبق عليهم صفة المواطنة وكل من نصت على أهليتهم للترشيح والانتخابات اللائحة الصادرة بهذا الشأن ، وهذا يعني ألا يستثنى أو يستبعد من خوض التجربة أي مواطن حر ، عاقل ، بالغ وآهل .. وفي هذا الشأن فإني أتوجه مباشرة لقيادة هذا الوطن بسؤال محدد وهو : ما الذي يمنع مشاركة شقائق الرجال في عملية الانتخابات ، وهل القرار بمشاركتهن في الانتخابات اليوم اصعب من قرار تعليم البنات الشجاع بالأمس؟ وأشفع هذا السؤال برجاء حار ومطلب عام يشاركني فيه عدد كبير من المواطنات وهو ألا يحرموا المواطنة السعودية من المشاركة في التجربة الانتخابية بالترشيح والانتخاب ، خاصة وقد تأكد ان ليس هناك مانع شرعي يمكن أن يحول بينها وبين هذه المشاركة ، ما دام موضوعها يشتمل على مواضيع تهم المرأة والأسرة والمجتمع ، وما دامت مشاركته تتم ضمن الضوابط الشرعية والأعراف المرعية في مملكتنا العزيزة لعمل وتعليم ومشاركة المرأة. لقد كتب الكثير من المواطنات والمواطنين عن أهمية إتاحة مثل هذه الفرصة ، ولو جرى إطلاع على الرأي العام في هذا الشأن لتأكد تأييد هذه المشاركة من قبل الكثير ، وانطلاقا من أهمية هذه المشاركة فإننا نتوجه بمطلبها مباشرة لصاحب القرار : إن هذه التجربة جديدة على مجتمعنا مواطنين ومواطنات ، والأولى والأكثر عملية أن نشرع في تعلمها والتدرب عليها في وقت واحد ، بدل أن نكون عالة على بعضنا البعض خاصة أننا مواطنون ومواطنات نتشارك في الولاء والانتماء لهذا الوطن ، فهل نطمع بقرار يعيد لنا الاعتبار للمساواة في حب وخدمة وطننا الشامخ دائماً بإذن الله ؟
|