في مثل هذا اليوم من عام 1928 قررت الحكومة التركية برئاسة مصطفى كمال أتاتورك كتابة اللغة التركية بالحروف اللاتينية بدلا من الحروف العربية التي كتبت بها منذ أصبحت هذه اللغة مكتوبة بعد دخول قبائل الترك في الإسلام.
في الوقت نفسه تضمن القرار الجديد اعتبار اللغة التركية هي اللغة الرسمية الوحيدة المعترف بها في تركيا وحظر استعمال اللغات الأخرى الأمر الذي اعتبرته الأقلية الكردية التي تضم عدة ملايين حربا على هويتها القومية والثقافية خاصة بعد حظر استعمال اللغة الكردية في أي مؤسسة تعليمية أو إعلامية الأمر الذي أشعل موجة من الاحتجاجات المسلحة ضد الحكومة التركية من جانب الأكراد الذين طالبوا بحقهم في تقرير المصير.
ولم تكن هذه الخطوة سوى جزء من برنامج شامل للحكومة التركية العلمانية التي قامت على أنقاض الخلافة العثمانية والتي انتهت رسميا في الثالث من مارس عام 1924م مع اعلان حكومة الاتحاد والترقي انتهاء الخلافة العثمانية.
وكان مصطفى كمال أتاتورك ومن معه الذين أطاحوا بالحكم الملكي التركي واعلنوا قيام الجمهورية التركية في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1923 يرون أن تركيا يجب أن تكون من الغرب الأوروبي وليس من الشرق الإسلامي وأن هذا هو المدخل الوحيد أمام تركيا لكي تستعيد عافيتها التي تلاشت خلال القرن الأخير من حكم العثمانيين.
لذلك كرس الدستور التركي الصادر في نوفمبر 1922 مبدأ علمانية تركيا وفصل الدين عن الدولة والتركيز على الهوية التركية لتلك الدولة وقطع أي علاقة تربطها بالثقافة العربية والإسلامية.
كما أصرت حكومة الاتحاد والترقي على القضاء على أي مظهر من مظاهر تركيا لإسلامية فنقلوا العاصمة من اسطنبول التي كانت رمزا للخلافة إلى مدينة أنقرة الأقرب إلى أوروبا.
كما حظروا ارتداء النساء للحجاب في الأماكن العامة وحاربوا المدارس الدينية. والمفارقة أنه على الرغم من كل تلك الخطوات رفضت أوروبا الاعتراف بتركيا كجزء منها منذ تأسيس السوق الاوروبية المشتركة عام 1958 حيث رفضت أوروبا انضمام تركيا إليها.وعندما تحولت السوق إلى الاتحاد الاوروبي استمر الرفض الأوروبي بدعوى أن تركيا دولة إسلامية وأن الاتحاد (ناد مسيحي).
وبعد إلحاح تركي طويل وتنازلات عديدة وافق الاتحاد الاوروبي قبل أيام على إمكانية بدء مفاوضات مع تركيا من أجل الانضمام إليه.
وبعد سقوط الخلافة العثمانية اختارت تركيا دستوراً مدنياً مستوحىً من الدستور السويسري بدلاً من الدستور العثماني، وذلك في نوفمبر- تشرين الثاني 1922م، وبعد إعلان الجمهورية في 29 أكتوبر- تشرين الأول 1923 وانتخاب مصطفى كمال اتاتورك رئيساً لهذه الجمهورية الناشئة وإعلان إلغاء نظام الخلافة وفصل الدين عن الدولة في مارس-آذار 1924 بدأ تحول جذري في الحياة السياسية التركية وفي الدستور التركي لتأخذ تركيا العلمانية موقعها الجديد في العالم.
والحقيقة أن علمنة تركيا ظلت منذ وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى الحكم وحتى الآن المحور الأساسي للسياسة التركية وبخاصة الجيش التركي الذي نصب نفسه حاميا للعلمانية التركية والمستعد دائما للتدخل لمنع أي تهديد لهذه العلمانية.
وكان أبرز مظاهر تدخل الجيش هو ذلك الانقلاب العسكري في 27 مايو 1961 على رئيس الجمهورية جلال بايار ورئيس الحكومة عدنان مندرس ورئيس المجلس النيابي رفيق كولتان والحكم عليهم بالإعدام بعد أن اتهموا بأسلمة الدولة وتهديد مبادئ أتاتورك ونظامه العلماني.
|