جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل) .. ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه : (فلا يرفث ، ولا يجادل).
وفي هذه الرواية إرشاد إلى أدب عظيم ، وهو ترك الجدال ، وأن ذلك يتأكد في حق الصائم.
ولو أخذت النفوس بذلك الأدب لعم الائتلاف ، ولقل الخلاف .. والناظر في أحوال الناس يرى ان كثرة الجدل دأب كثير منهم ، فتراهم يتجادلون عند كل صغيرة وكبيرة ، لا لجلب مصلحة ، ولا لدرء مفسدة ، ولا لهدف الوصول إلى الحق ، ومن ثم الأخذ به ، وإنما رغبة في اللدد ، والخصومة ، وإظهار المزية ، والتشفي من الآخرين.
ولا ريب أن ذلك مجلبة للعداوة ، ومدعاة للتعصب ، ومطية لاتباع الهوى.
أما إذا احتيج إلى الجدل ، وكان ذلك بعلم وعدل ، وكان بالتي هي أحسن ، وأريد به الوصول إلى الحق فلا بأس به .. وأما ما عدا ذلك فهو مذموم ، وعلى الإنسان تركه إلى ما وجد إلى ذلك سبيلا ؛ لصعوبة ضبط اللسان في الخصومة.
هذا الحديث يدور حول أدب من آداب الصيام ، ألا وهو تجنب الجدال.
والحديث هنا إكمال ما مضى ، وإيراد لبعض الآثار التي جاءت عن السلف في التحذير من الجدال.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : (كفى بك ظلماً ألا تزال مخاصماً ، وكفى بك إثماً ألا تزال ممارياً).
وقال الأوزاعي - رحمه الله - : (إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ، ومنعهم العمل) .. وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : (من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل).
وقال محمد بن علي بن حسين - رحمه الله - : (الخصومة تمحق الدين ، وتنبت الشحناء في صدور الرجال) .. وقال جعفر بن محمد - رحمه الله - : (إياكم وهذه الخصومات ؛ فإنها تشغل القلب).
وللحديث صلة ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
( * ) عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
المشرف على موقع دعوة الإسلام
www.toislam.net |