* الرياض - فهد الغريري:
المشهد: مئات من المقيمين العاملين في المنطقة الصناعية يصطفون قبل أذان المغرب بخمس عشرة دقيقة في صفين منظمين أمام البوابة وكل واحد منهم يحمل بيده كيساً بلاستيكياً يقوم بتوزيع هذه الأكياس لعشرات من طلاب المدارس يرتدون الزي الوطني السعودي: الثوب والشماغ، يبدأ دخول العمال ومرورهم على طاولتين محملتين بالماء والتمر وأطعمة ومشروبات أخرى ويقف بجانبها طلاب آخرون يقومون بمناولة كل عامل نصيبه، وما أن يرتفع أذان المغرب إلا وتجد الألفي عامل يتناولون طعام الافطار بكل يسر وسهولة ودون أي تأخير أو قصور.
يؤتي هذا الجهد ثماره مع مرور الأيام بإسلام الكثير ممن رأوا في هذا الدين نظام آخر للحياة ومفهوم آخر (للعولمة) في ظل وجود من يمارسون الارهاب والاجرام باسم الإسلام، وباستمرار الهجمة العشواء على الإسلام بشكل عام والسعودية بشكل خاص، تلك الهجمة التي صورتنا بمنظر المتخلفين الهمجيين الوحشيين، أبى أبناء هذا الوطن في مخيم التفطير الدعوي بالصناعية القديمة إلا أن يثبتوا عكس ذلك، هذه هي الصورة، كما تنقلها لكم (الجزيرة) من موقع الحدث فإلى التفاصيل.
****
بدون أي مقابل
يتبع مخيم التفطير الدعوي للمكتب التعاوني للدعوة والارشاد في الصناعية القديمة والتابع بدوره لوزارة الشؤون الإسلامية، ويدير المكتب الأستاذ عبدالله بن حماد القديري الذي أكد أن المخيم يتكون من عدة لجان وان كل العاملين من موظفين وطلاب يقدمون خدماتهم تطوعاً بدون أي مقابل، وذكر لنا أن المخيم يسير رحلات لأداء العمر طوال شهر رمضان وبأسعار رمزية جداً تصل إلى 30 ريالاً شاملة الرحلة والسكن.
كما أشار القديري إلى أن جهود المكتب تتجاوز شهر رمضان إلى اقامة مسابقات ثقافية دعوية، بالإضافة إلى الدورة الشرعية الخيرية للعمال بخمس لغات التي كان تخريج الدفعة العاشرة منها يوم الجمعة الماضي ونشرت (الجزيرة) تغطية مفصلة لهذا الحفل.
وعن مصدر الأموال التي تصرف على هذه النشاطات قال القديري: إما أن تأتي عن طريق توجيه دعوات لبعض المحسنين فيأتي ويقف على عملنا ويساهم، أو من التبرعات العامة التي تأتي للمكتب.
ما قصة الدراجة؟
ولمزيد من التفاصيل حول آلية العمل في المخيم التقينا المشرف العام على المخيم عبدالرحمن الغريري وسألناه بداية عن عدد المستفيدين من الافطار الرمضاني ومن يقوم على التنظيم فقال:
الإفطار يشمل قرابة الألفين من العمال والمقيمين في منطقة الصناعية القديمة، ويقوم على تنظيم عملية التفطير ما يقارب الستين متطوعاً من الطلاب الذين تفاعلوا مع فكرة المخيم ويعملون بدون مقابل، يبدأ العمل في المخيم الساعة الرابعة عصراً حيث يتم وضع كميات كبيرة من التمر والماء واللبن والعصير والسمبوسة و(الحلا) على طاولتين متجاورتين ويصطف الضيوف في صفين ويتم توزيع أكياس بلاستيكية عليهم وخلال عشر دقائق فقط قبل الافطار يتم استقبال هذا العدد الهائل، وامدادهم بالطعام ويجلسون يستمعون لكلمات ودروس قصيرة، وبعد أداء الصلاة تستمر الدروس وفي هذه الأثناء يتم اعداد طعام العشاء وتوزيعه في وقت لا يتجاوز العشر دقائق أيضاً من خلال خطوط توزيع تتكون من عمال المطعم والمتطوعين من الشباب.
وسألناه عن سر الدراجات الهوائية المعلقة في البرج فقال: بعد تناول طعام العشاء يتم السحب على جوائز تبدأ من الدراجة الهوائية وتنتهي برحلة عمرة مجانية إلى رحلة حج مجانية، وتخصص الجوائز لأول مئة شخص حضروا إلى المخيم وذلك تشجيعاً لهم لحضور الدروس. وقد ذكر لنا أن المخيم يتوفر به أماكن للغسيل والوضوء، وأشار إلى أن الماء تبرع به أحد اصحاب الصهاريج يأتي بشكل دوري ليملأ الخزانات بدون أي مقابل.
وعن آثار هذا العمل وثماره قال: نرجو أن نقدم الإسلام والوطن بصورتهما الصحيحة للمقيمين من هندوس وسيخ ومسيحيين، وقد نتج عن هذا أن أسلم الكثير من العمال فقط لما رأوه من تآخي ومحبة بيننا وبين العمال، كيف يأتي العامل من ورشته وعليه غبار التعب فيحتضنه السعودي ويقابله بابتسامة ويقدم له الطعام والدروس والجوائز مجاناً، بل إن أحد الهندوسيين أعلن إسلامه عندما دخل إلى المصلى فرأى ابن جلدته بملابسه الرثة يصلي جنباً إلى جنب مع الكفيل دون أي فوارق بينهما، حيث ذكر لنا أن لديهم في عقيدتهم طبقية تجعل بعضهم لا يتجرأ على مخاطبة من هو أعلى منه بل ولا حتى ينظر إليه!
المسلمون الجدد
وحول النشاط الدعوي التقينا فوزان بن عبدالله الفوزان رئيس لجنة الدعوة في المخيم فقال: هذه السنة الثالثة للجنة داخل المخيم، لدينا عشرون داعية بثماني لغات: منها الأوردو والبشتو والفلبيني والاندونيسي وغيرها، ونرتبط بأكثر من أربعة وثلاثين مسجد في أحياء متفرقة من مدينة الرياض.
وعن طبيعة عملهم داخل المخيم قال: نوزع كتب ومطويات على المساجد وداخل المخيم باللغات المختلفة، وفي تمام الساعة الخامسة يمارس الدعاة تدريس القرآن بخمس لغات تقريباً، ويشرف الدعاة على قراءة الأخوة الحضور، وأيضاً بعد الافطار هنك دروس مدة عشرين دقيقة، حسب جدول يومي للكلمات ومواضيعها وفي نهاية الدرس هناك حوافز تشجيعية رمزية لتشجيعهم على الحضور والاستماع.
وسألناه عن عدد الذين يسلمون خلال رمضان داخل المخيم فقط أكد الفوزان أن عددهم يصل إلى عشرين شخصاً.
رحلة العمرة بثلاثين ريالاً فقط؟
وللاطلاع على رحلات العمرة التي يسيرها المخيم التقينا كلاً من الأستاذ عبدالخالق القرني رئيس لجنة العمرة ونائبه الأستاذ حسين الهويمل، وذكر لنا أن المخيم يسير في رمضان أربعاً وخمسين رحلة تقريباً يستفيد منها ألفان وأربعمائة شخص بدون المشرفين والدعاة، في العشرين يوماً الأولى من شهر رمضان، رحلتين اسبوعياً واحدة يوم الأحد عبارة عن ثلاث حافلات والأخرى يوم الأربعاء أربع حافلات تتسع الواحدة منها لتسع واربعين راكباً، بمن فيهم المشرفون والدعاة، أما العشر الأواخر فنخصص رحلة يوم بعد يوم ولكل رحلة ثلاث حافلات.
وسألنا الهويمل بحكم إشرافه على عملية التسجيل عن الآلية المتبعة فقال: الأصل انه لا يسمح لمن اعتمر بالعمرة مرة أخرى، ولكننا استخدمنا برنامجاً في الحاسب الآلي صممه أحد الشباب المتطوعين نقوم من خلاله بحصر كل الأسماء والتواريخ برقم البطاقة أو الاقامة، وحين يتقدم شخص ندخل رقم بطاقته فإن ظهر لنا أنه سبق له العمرة نضعه على قائمة الانتظار حتى يشغر له مقعد.
وعن المقابل المادي ذكروا لنا أن الرحلات خيرية فالمكتب يتحمل سبعين بالمائة من التكلفة ويقوم المعتمر بدفع الباقي بما لا يتجاوز ثلاثين ريالاً في أول الشهر وخمسين في العشر الأواخر، وكل ذلك عن طريق عقد اتفاق مع أحد مكاتب حملات الحج والعمرة المتعاونة.
يقدمون لنا الرعاية والعلم
محمد سلطان سوري الجنسية عامل في الصناعية، يقول: منذ سنتين أتناول الفطور الرمضاني في المخيم، وما شاء الله الجماعة قائمون على رعاية المفطرين وليس هناك أي نقص أو تقصير بالاضافة إلى الدروس التي استفدت منها شخصياً حيث يعلموننا أصول ديننا ويذكروننا بأشياء قد نكن نجهلها أو نغفل عنها فجزاهم الله ألف خير على هذه الفوائد الجمة التي يقدمونها لنا.
|