المعرض الذي أقيم في فرانكفورت بألمانيا مؤخراً، والذي خصِّص للعالم العربي كان فرصة ذهبية لنا نحن العرب بعامة والسعوديين بخاصة لنسجِّل من على منبر عالمي موقفاً يدفع حقوقنا في الاتجاه الصحيح، وقد كانت المشاركة السعودية في المعرض فاعلة ونوعية شارك فيها عدد من الأساتذة رجالاً ونساءً، واستطاعوا بحق لفت أنظار المشاركين جميعهم في المعرض على اختلاف ألسنتهم.
كنا نعلم مدى التحدي الذي يواجهنا ونحن نعد في عجالة بعض الكلمات ورؤوس الأقلام التي سنتحدث فيها ونعرض من خلالها رسالتنا التي من أجلها نفارق الأهل والوطن. وحين سارت أقدامنا في أرض المعرض وتجوَّلت عيوننا في قاعات الندوات والمحاضرات، شدَّ من عزيمتنا رؤيتنا لوجوه عربية الدم، حتى وإن كانت (أفرنجية اللسان)، وزاد من ذلك الشعور أننا توقَّعنا منهم أن يؤازرونا ويكونوا إلى صفنا ونحن نقف على منابر بعيدة الجغرافيا والعرق والنسب.
وكنا نظن أن اضدادنا في الإعلام والمواجهة والنقاش سيكونون هؤلاء الغربيين الذين تعوَّدنا منهم كل ما هو متوقَّع، لأنهم بعيدون عنا مسافةً ووعياً وفهماً لواقعنا وسياستنا، ولذلك وضعنا في حسابنا ما الذي سنقوله، وحشدنا أفكارنا الموجهة إليهم.
وللأسف الشديد، فقد اكتشفنا أننا لا نواجه أعداء إعلام غربيين فحسب، لكننا فوجئنا بأقلام وأصوات عربية مهاجرة عن الوطن والقيم والثقافية العربية. تلك فئة انقطعت عن جذورها وهي في أغلبها مجدة ضد أبناء جلدتها وتقف في صف واحد، بل في خندق واحد مع المتنكرين للحضارة الإنسانية، وللتواصل الإنساني، وللغة الإنسانية والحضارية، فهم يهاجمون بلسان ألماني، يعاكس الدماء العربية (القديمة) التي تجري في عروقهم المتغربة، والمنسلخة عن جسدها الحقيقي الذي تلوَّن بلون رمال وتضاريس الوطن العربي الكبير.
وتصل المفاجأة حدها الأقصى حين يقف رجال ونساء الفكر والثقافة الغربية (الألمانية) ليردوا على هؤلاء، ويفنِّدوا مزاعمهم، ويرفعوا أصواتهم جاهرين بما يرون ويسمعون من حقائق. فالمغتربون العرب لا تعجبهم سياستنا، وأساليب حكمنا، وثقافتنا، والغربيون الألمان يفرحون بما يكتشفون من عجالة قضايانا، وعدل شريعتنا، وتراثنا وثقافتنا وينبرون للدفاع عنها وتمجيدها.
قد يكون لهؤلاء أسبابهم التي دفعتهم إلى ترك الوطن والأهل، سياسية كانت أو مادية، أو اجتماعية أو لأي سبب آخر، فالهجرة قد تكون متطلباً حياتياً أحياناً، ولكنها قد لا تكون أبداً معملاً يتم فيه غسل الأدمغة، وإلغاء الذاكرة، وتجبير الذات.
هذا الكلام لا ينطبق على الكثيرين ممن حملوا معهم إلى غربتهم رائحة الأوطان، وسخونة قضاياهم وهموم أمتهم، واستمروا ينافحون بكل ما ملكت أيمانهم وعقولهم وقلوبهم.
ويظل السؤال: ماذا تفعل الحكومات العربية والمثقفون العرب لاسترداد هؤلاء فكراً وموقفاً على الأقل بعد أن تعذَّر استردادهم جسداً وحياة؟
أم أننا سنظل كعادتنا نعتذر بكثرتنا، ونتوهم أننا لا ننقص من بعض آلاف غادرت السرب وحلَّقت في سماء الغرب.. وتاليتها؟!!
(*) فاكس: 2051900 |