Wednesday 3rd November,200411724العددالاربعاء 20 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

أنت أنت
اختلاف المفاهيم: اتحاد الصحافيين العرب نموذجاً.
عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

اختلاف عقولنا كاختلاف وجوهنا.. وإذا اتفقنا على أن المعاني ثابتة والمفاهيم متغيرة وفق مقتضيات الحياة واختلاف الظروف الاجتماعية.. فهذا يعني أنه ليس عيباً أن تتغير مفاهيمنا حتى لا نبقى جامدين في أطر وقوالب اجتماعية متخلفة.
اختلاف المفاهيم وتغيرها مؤشر يدل على مدى الحركة الاجتماعية والإنسانية داخل المجتمع وفق معادلة طردية.. كلما ازدادت حركة المجتمع وديناميكيته ازدادت سرعة تغير المفاهيم لديه.. ومع هذا نجد من يواجه ذلك التحول والتغيير.. بأشكال من التصرف أو السلوك الاجتماعي الرافض، تبدأ بالإقصاء والمقاطعة وتنتهي بالتنكيل.
وإذا اتفقنا مع الشيخ عبدالله بن إدريس في أن كل أديب مثقف.. لكن ليس كل مثقف أديباً.. فماذا نقول عن الصحفيين؟.. فهم على الأغلب كتاب.. فهل يعني ذلك أنهم أدباء حتى نقول عنهم إنهم مثقفون؟.. ما علينا.. فهذه إشكالية أثارتها لدي قراءتي لمقالة الشيخ عبدالله في نفس اليوم الذي قرأت فيه خبر مؤتمر اتحاد الصحفيين العرب في هذه الجريدة، والصحفي لا شك أنه مثقف.. والمشاركون في ذلك المؤتمر من رموز الصحافة في بلادهم.. ولا شك أنهم مثقفون.. ليس ذلك فحسب.. بل إن اتحاد الصحفيين العرب.. هو الواجهة المثقفة للمجتمعات العربية.. أي أننا نتحدث عن النخبة التي هي في الواجهة وتحتك بالذين هم في الواجهة، كل ذلك أضفى عليهم شهرة قد لا يحلم بها أكبر الرجال قدراً وفهماً وعقلاً وثقافة.
في اجتماع اتحاد الصحفيين العرب في دورته العاشرة للمؤتمر العام للصحفيين العرب الذي عقد في (5) أكتوبر أعلن في بيانه الختامي عن توصيات ومطالب كان أهمها توفير الحماية للصحفي.. ووقف كل أشكال انتهاك الحريات العامة.. ثم أعلن عن تقديم لائحة سنوية عن المطبعين مع إسرائيل ثقافياً تتضمن تفاصيل ما قاموا به من أعمال تطبيعية وأسماء المؤسسات التي يعملون بها.. ويأسفون لفتح بعض وسائل الإعلام العربية الحكومية مكاتب لها في إسرائيل.
أمامنا حالة من التناقض الصارخ في المفاهيم.. فالاتحاد يدعو إلى وقف كل أشكال انتهاك الحريات.. لكنه يعد بتقديم قائمة بأسماء المطبعين ثقافياً مع إسرائيل.. أي أن الاتحاد سيقوم بدور الرقيب الفكري وليس المهني.. وحيث إن العديد من الدول العربية لا تمنع الاتصال بإسرائيل نظاماً.. وبعضها تحتفظ بعلاقات رسمية مع إسرائيل فلا يمكن تحريض تلك الحكومات لعقاب صحفييها الذين أقدموا على التطبيع.
هنا وبحكم طبيعة العمل الصحفي فإن الخيار المتاح هو التشهير بهؤلاء المطبعين.. وحيث إن العقاب سيأتي من المجتمع الذي سيتم تأليبه عليهم.. فإن العقاب سيكون على الأقل الإقصاء. وبذلك صار اتحاد الصحفيين العرب القاضي الذي استخدم الجمهور لتنفيذ عقابه!.
اتحاد الصحفيين العرب يعتبر من جمعيات النفع العام.. وليس من مهمات أو أدوار جمعيات النفع العام الخيرية أو المهنية أو الإغاثية أن تراقب.. ناهيك عن أن تحكم أو تعاقب.. على فكر أو رأي.
لماذا يريد قادة الصحافة في العالم العربي أن يتحول الاتحاد العربي للصحفيين إلى مراقب وقاض وسجان؟ ولماذا يريد اتحاد الصحفيين العرب حماية جسم الصحفي بينما يغتالون فكره ورأيه وقراره؟.. أليس هذا تسلطاً لا تجيزه الأديان السماوية ولا القوانين الوضعية كحقوق الإنسان؟.. وكيف مر ذلك على المشاركين؟.. ولماذا لم يعترض أحد؟ وهل هؤلاء الراغبون في إطلاق الحريات في أشياء وكبتها في أشياء أخرى أغلبية مرروا القرار بقوة التصويت؟.. أم هم أقلية لكن خشية التشكيك والتصنيف أخافت الأكثرية؟.
إذا كان حضور المؤتمر وكثير منهم متفوق في فهمه وتجربته وقدرته.. هم من اقترح القرار وأعلن عنه.. فما هي المفاهيم الأخرى الخاطئة التي في مواقع أخطر وأكثر أهمية من الموقع الصحفي.
لقد نشأت ومثلي كثيرون على كراهية إسرائيل.. ولن أكون تحت أي ظرف داعية للتطبيع مع إسرائيل.. ولكني فقط أريد لنفسي كما أريد لأبناء أمتي من أفراد وهيئات ومؤسسات واتحادات أن نتعامل مع الأمور بواقعية وعقلانية حتى لا نبدو في كثير من الأحيان بلهاء.. نعيب على أمريكا ازدواجية المعايير لأنها تغتال الطفل في العراق وتؤيد اغتياله في فلسطين وتحرم على هذا الطفل أن يلقي بحجر على من اغتصب أرضه وهدم بيته.. ثم نتبنى نحن نفس النظرية.. فننادي بضرورة إطلاق حرية الرأي عموماً والمثقفين خصوصاً.. ثم نقف للمثقف بالمرصاد لإفصاحه عن رأي أو فكرة تتعارض مع النظام الاجتماعي السائد داخل مجتمعه.
إن الإشكالية كما ترون في المبدأ والمفهوم.. وفي حالة اتحاد الصحفين العرب تجاوزت الإشكالية إلى المهام.. فتجاوز الاتحاد حدوده الرئيسية وقفز على الخط الأحمر.. مهدداً أهم القيم التي قام من أجلها وهي حرية الرأي.
بالمناسبة.. أبطلت الأسبوع الماضي محكمة العدل العليا الأردنية قراراً لنقابة المهندسين بمقاطعة نائب شارك في حوار متلفز مع مسئول إسرائيلي.. صححت محكمة العدل العليا الأردنية تجاوز نقابة المهندسين الأردنية كونها نقابة مهنية إلى تنصيب نفسها خصماً وحكماً في قضية التطبيع.. فمن يصحح تجاوز اتحاد الصحفيين العرب؟.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved