يقول أحد المؤدلجين في معرض استغرابه واستعجابه : رغم أن العامل العربي أكثر ثقافة من العامل الآسيوي إلا أن العامل الآسيوي أكثر إنتاجية .. محيرة هذه العبارة لأنها تتطلب الكثير من إعادة النظر والبحث لنصل إلى معناها.
ربما يعود هذا إلى التفسير الأيدلوجي الذي تعودنا إقحامه في كل الأمور ، فكثير منا يحاول أن يفسر الفروق بين الناس والإنتاجية تحديدا بخلفيات العمال الثقافية ، فالعامل السيخي كذا والعامل المسلم كذا والعامل المسيحي كذا ، وهي تفسيرات وتفاصيل قائمة على طبيعة النظرة الأيدلوجية للحياة .. وقد توسعت هذه النظرة الأيدلوجية إلى أن ذهبت إلى تفاصيل العمل ، فالعامل السيخي جيد في كذا والعامل المسيحي جيد في كذا الخ .
شيء طبيعي من شعوب عاشت طوال عقود من الزمان تعتاش على الفكر والأيدلوجيا أن تنتج مثل هذه النظرة للحياة والعمل ، أمم تركت التنمية وحركة الحياة وغاصت في غياهب الأيدلوجيا ، تحت وطأة هذا التوجه وسيطرة أرباب الأيدلوجيا ، لم يسع أحد أو معهد أو جماعة فكرية لمعرفة شيء من الحقيقة التي جعلت شرق آسيا بما فيها الدول الإسلامية هناك تتفوق على دول غرب آسيا التي ننتمي إليها ، ما هو الفرق بين ماليزيا وأفغانستان ؟ إن الإجابة على مثل هذا السؤال ربما تساعدنا كثيراً على فهم ما يجعل العامل الآسيوي أكثر إنتاجا من العامل الآسيوي الغربي (بما فيها العربي) ، لا أريد أن أعود إلى بحث التجربة الماليزية ، فقد قيل عنها كل شيء ماعدا الشيء الذي يجب أن يقال ، ولكني أريد فقط أن يعقد القارئ مقارنة بين ماليزيا وبين أفغانستان ، أي البلدين تتمنى أن تكون مثلها بلادك ؟ هذا سيقود إلى تحليل الموقف من الحياة ومن العالم ومن العمل كقيمة ، لماذا يتفوق العامل الفلبيني على العامل الباكستاني ؟ يمكن بقليل من التأمل أن نقول إن الفلبين تنتشر فيها المعاهد ومراكز التدريب المهني ، بينما تسيطر على باكستان المدارس الأيدلوجية التي أنتجت طالبان ، لماذا حدث هذا ؟ لماذا توجهت الفلبين إلى التنمية ، بينما توجهت باكستان إلى الأيدلوجيا ؟ لماذا تتسارع التنمية في شرق آسيا بينما تتراجع التنمية في غرب آسيا بهذا الشكل المخيف ؟ لماذا يجد سكان غرب آسيا أنفسهم في حالة حرب مع العالم ، بينما يجد سكان شرق آسيا أنفسهم في حالة منافسة مع الغرب ؟
لا يمكن إقحام الإسلام في هذه القراءة ؛ لأن شقاً كبيراً من دول شرق آسيا هم من المسلمين ، وأصابوا من التقدم ما أصابه جيرانهم الآسيويون من غير المسلمين ولنا في ماليزيا خير مثال ، لا يمكن أن نذهب إلى هناك ونقرأ ما حدث ، ولكن لو عاد الإنسان بذاكرته إلى تجربتنا في المملكة لوجد الجواب ،
في فترة السبعينات عندما تصاعدت أسعار البترول وبدأ يتحسن دخل المملكة ، سيطرت كلمة واحدة على تفكير الناس وهي كلمة (تنمية) واشتقاقاتها ، مثل البنية التحتية ، الابتعاث ، والحداثة والتطور الخ .. سيطرت على الأمة حمى البناء والتعمير والتعلم والتفوق على الآخرين ، لكن ومع دخول عقد الثمانينات ودخول السوفييت أفغانستان ، ضعفت كلمة التنمية وانكمشت مفرداتها وتفرعاتها لتحل محلها كلمة (الصحوة) باشتقاقاتها المختلفة : الجهاد ، الغزو ، المؤامرة ، السلاح ، الرصاص الخ .. كنا في السبعينات في طريقنا لننضم إلى الفريق الآسيوي المنافس للغرب ، فجأة وجدنا أنفسنا وسط فريق قرر محاربة العالم ، كل يوم تضعف في عالمنا في غرب آسيا المعاهد المهنية والجامعات العلمية ، لتقوى على حسابها المدارس الأيدلوجية التي أنتجت طالبان ، هذا هو الفرق بين العاملين.
فاكس 4702164
|