الآن وبعد أن انفض الاكتتاب في شركة الاتصالات فإن ما حدث يستوجب كما هائلاً من الوقفات والتأملات فما حدث لم يكن اعتيادياً بل كان حدثا لا يماثله إلا تسديد ثمن شرائح الجوال أول ما ظهر في البلاد بعد أن انتشر خارجها بزمن طويل. ولعل ما يبرر هذه الأحداث في هذا الزمان هو أن شهر رمضان هو شهر الأحداث الجسام والفتوحات في تاريخ المسلمين. وها هو التاريخ يعيد نفسه لكن لا بأس بقليل من التغيير الذي تفرضه طبيعة العصر والمرحلة التي تمر بها الأمة وماهية التحديات التي تواجه الفرد والمجتمع.
ولعل ما أثار هذه الخواطر هو التزاحم والتدافع الكبيران والطوابير الطويلة أمام البنوك، والتي ما أن تنتهي بنهاية الدوام إلا وتبدأ الاستعدادات لطوابير جديدة خاصة بالدوام التالي.
والسؤال هنا - ونحن نتحدث عن البنوك وسوق الأسهم والتي يفترض فيهما أن تكونا من أكثر الأنشطة الاقتصادية أخذاً بأسباب التقنية المتقدمة جدا في مجال المعلومات والاتصال - هل عندنا وسيلة أكثر ملائمة من هذه التي جرى بها الاكتتاب؟ هل هناك فرق بين طريقة الاكتتاب في أسهم شركة سابك قبل ربع قرن من الزمان وطريقة الاكتتاب في أسهم شركة اتحاد الاتصالات التي تمت في أواخر عام 2004م.
أتصور أننا لسنا بحاجة إلى معجزة أو إلى تصميم برامج تعد فتحا في فئتها لنتخلص من هذا المظهر غير الحضاري، فالاكتتاب يمكن أن يتم بطرق عديدة ليس من بينها الشخوص إلى البنك، فهناك مكائن الصراف والإنترنت والهاتف. ولا ننسى أن عمليات شراء وبيع الأسهم الأمريكية تتم عبر جهاز كمبيوتر من أي مكان في العالم.
وإذا كنا لانزال أمة ورقية - أي لا ترضى بديلا عن الورق في إتمام معاملاتها وإجراءاتها - فالتقنية الحديثة لن تخذلنا، فإمكانية تنزيل الاستمارات عن طريق الإنترنت من موقع الشركة ومواقع البنوك قائمة ويفترض أن تستغل، وإن كان ولابد ثلاث نسخ فأوراق الكربون لا تزال موجودة يمكن الاستفادة منها وتبصرة الناشئة بالإجراءات الإدارية التي كانت متبعة في زمن مضى وربما لا تزال في بعض الأماكن.
وما حدث من نشوء سوق لاستمارات الاكتتاب تباع فيها وتشترى كان متوقعاً في ظل الإقبال الشديد على الاكتتاب وتوافر الرغبة لدى البعض لاقتناص أية فرصة سانحة لتحقيق مكاسب مادية بغض النظر عن مشروعيتها أو آثارها السلبية على المجتمع.
وقد ناقش الاقتصاديون العوامل المساعدة على ظهور هذه الأنشطة غير المنتجة الضارة الهادفة إلى تحقيق الربح بأي ثمن وما يترتب عليها من آثار، ووجدوا أنها تؤثر سلبياً على أداء الاقتصاد بشكل عام، ولا تقتصر آثارها على أطراف التعامل فقط. والغريب أن هذه العوامل كانت واضحة منذ البداية وكانت هناك تجارب سابقة مماثلة وما شركة الصحراء ببعيدة وإن اختلف الشكل الخارجي والإخراج فقط. لكن لسبب أو لآخر لا نحرص كثيرا على الإفادة مما هو متاح من دراسات علمية أو تجارب سابقة ذات علاقة. وفي ظل وجود فئة من الناس لا يهمها إلا تحقيق مصالحها الشخصية ولو كانت متضادة مع مصلحة المجتمع فإن قطع الطريق على هذه الفئة وتجفيف منابع الربح غير المشروع وتجريم ومعاقبة من يمارسه أمر لازم.
|