في كل مرة أقرأ فيها لمحمد جبر الحربي أشعر أنني أمام (استثناء) وحالة (مفردة) و(مدهشة) فحرف محمد جبر له وحده، وكلماته لا تعبر إلا عنه نفسه.
وقد يكون محمد جبر واحداً من جملة شعراء القصيدة الحديثة الذين برزوا خلال العقدين الماضيين إلا أنه تفوق عليهم عندما أسس لنفسه مملكة شعرية حدودها جمال اللغة وروعة التصوير وعمق الاحساس وتنوع الفكرة.
كتب محمد جبر الخاطرة والقصيدة الحديثة والمقال، وهو في كل كتاباته عالي الصدق، عاشق إلى حدود الوله، باحث عن سمو المعاني، مؤمن مسبح، إنسان أصفى ما يكون عليه الإنسان.
وهو شاعر في كل نصوصه، يسافر إلى نفسه، ويطوف بذكرياته وانطباعاته اليومية ومواقفه، ويستعيد صور الأمكنة والأحبة والأصدقاء، ويتلمس مشاعره حميمة كانت أم حزينة فيداوي نفسه بالكتابة، فتأتي قصائده بتراكيب تبدو خارجة من قلب قائلها، تحمل صورة محمد جبر الحربي وحده.
يدهشك محمد جبر في كل قصيدة، ذلك أن قصائده لا تتشابه، فتقرأ في كل قصيدة نصاً مختلفاً، ذلك أن مخزونه اللغوي كبير وابداعه يصوغ ذلك المخزون في فضاءات شعره التي تستحق الاحتفاء والاحتفال.
وعلى ذكر الاحتفاء إلا يستحق محمد جبر أن يحتفى به في ملاحقنا الثقافية واصدارتنا الأدبية، التي احتفت بغيره ومنهم من كان أقل إبداعاً وإنتاجاً.
لك أن تقرأ محمد جبر الحربي بكل حواسك وأحاسيسك لتعرف شاعرية هذا الرجل الموهوب، وما تحمله قصائده من استجابات ابداعية، مثيرة حالات من التخييل وعذوبة الاحساس، وأورد هنا نصاً من قصيدة له سماها (ست البنات) نشرت في مجلة الجزيرة الثقافية بتاريخ 18 محرم 1422هـ.
ست البنات
العمر جملة ما يمر
وأنت مختصر وجملة
سافرت.. غربني الزمان
بل ضعت.. ضيعني المكان
فكنت (...)
هل قبلت عيناي عينك
أم عيونك قبلت
لا فرق.. مأسور ودولة
هي دولة الحسن البديع
فلا ترى في المزن خلة
فلا جهات..
ولا أدلة
وجننت منتصف الصباح
فليت كل العمر غفلة
لك انت يا ست البنات
ونشوة الأرض النبات
قصيدة المطر المعتق
في الدنان
وفي المكان
وندرة الدنيا، وقبله
لك أنت يا أخت الرجال ترققا
أو ما أردت ترفقا
أهديك نرجسة وفلة
ما غادرت عيناي دجلة
يا جنان الأرض
كم عيناك دجلة
مطر وايوان الأحب والاخلة
لك أنت يا ست السنين
|