حملة التوعية التي تقودها في هذه الأيام (وزارة المياه والكهرباء) وضعتنا أمام حقائق ليتها تصيبنا بالمرارة، لنعدل من سلوكنا مع الماء، فنحن نتعامل مع الماء بقسوة، ربما لأنه يأتينا مجاناً فعشرة آلاف لتر من المياه تكلفنا ريالا واحداً، وهو مبلغ نصرفه على علبة مياه غازية، بل إننا نستحي أن نقدمه لأحد أولادنا الصغار، فهو مبلغ في عرف الجميع، بما فيهم الذين يمدون أيديهم عند إشارات المرور! مبلغ لا يساوي شيئاً، لكننا عندما نمده لمصلحة المياه تعطينا به عشرة آلاف لتر من الماء الخالي من الشوائب والملوحة، والواصل إلى منازلنا في أوقات أو وقت محدد، دون أن نبذل أي جهد، سوى تقديم الريال عندما يحين وقت الفاتورة!.
وهذه الكمية من الماء لو أردنا شراءها على هيئة عبوات بلاستيكية، فإنها ستكلفنا ما يقترب من تسعة آلاف ريال عدّاً ونقدّاً، فالمياه يقترب سعرها في محلات السوبر ماركت من أسعار المياه الغازية، رأساً برأس ومع ذلك فإنها تأتينا إلى منازلنا بمبلغ زهيد، وليتنا نشعر بالامتنان للماء ولمن قدمه، فنتعامل مع الماء (وهذا ما يريده من قدمه لنا) برفق، فلا نصرفه في غير حاجة، لكننا للأسف لا نفعل ذلك!.
إن معدل استهلاك الفرد في المملكة من الماء يصل إلى 286 لتراً يومياً، ونحن نتفوق بهذه الإحصائية على العديد من الدول التي تهطل فيها الأمطار يومياً مثل فرنسا وهولندا والدنمرك واليابان، الفارق بيننا وبينهم أنهم لا يأخذون الماء عن طريق التحلية، ولا ينزلون مئات الأمتار تحت الأرض، لجلب الماء ولتوزيعه على رقعة صحراوية تمتد على مسافة آلاف الكيلو مترات.. ما هو السبب في زيادة استهلاك الماء لدينا، هل هو رخص أسعاره أم كثرة وضخامة التسربات؟ الواقع أن السبب متعدد الجوانب والأبعاد، سنجمل بعضها فيما يلي:
1- لا أعقد أن هناك بلداً تكثر فيه الحدائق المنزلية مثل بلادنا، ففي كل بيت نخل وأزهار وخضروات وأشجار على مختلف الأشكال والألوان حتى لتظن وأنت تدخل إلى بعض الفلل، وكأنك داخل إلى حديقة عامة، وكل هذه المزروعات يغدق عليها رب البيت، أو عماله، كمية وافرة من الماء يوميا، فنحن في بلد يتمتع بطقس قاس، إذا لم نغدق الماء مدرارا في مثل هذا الطقس، فإن المزروعات سوف تموت تباعاً، وليتنا مثل الدول الأوروبية، وبعض الدول العربية، التي يطلع فيها الزرع من شقوق المباني والجبال والقباب!.
2- لا توجد فيلا أو قصر أو مجمع سكني بدون مسبح، ويكبر حجم المسبح حسب حجم الوحدة السكنية، وهذه المسابح ذات استهلاك عال، فهي تحتاج إلى فلترة وتغيير الماء، وكل وردية تغيير تستهلك في المتوسط ثلاثة وايتات، فكم هو حجم الماء الموجود في كل وايت، وكم يكفي من الناس لو صرف عليهم، بدلا من وضعه في مسبح لا يستخدم في العادة إلا أياماً معدودات، هذا إذا تم استخدامه أصلا، لأننا - بصراحة - شعب رحال، فنحن حالما تقرصنا حرارة الطقس، نشد الرحال إلى الخارج، ولا نعود إلا بعد أن يستقر هذا الطقس، ويصبح مقبولاً لنا في المنزل والمسبح معاً!.
3- التسربات تأخذ أحياناً ما مقداره 40% من الماء، وهذه التسربات المسؤولية فيها مشتركة بين المستخدم ومصلحة المياه، فلماذا لا تقوم مصلحة المياه في كل مدينة بجولات عشوائية على المنازل، للكشف على الخزانات والعوامات والحنفيات، على أن تسبق هذه الجولات حملة مكثفة، بحيث يتم حال اكتشاف تسربات في أي وحدة سكنية أو تجارية، فرض غرامات على أصحابها أو تحميلهم أجور الإصلاح، وأن لا تنسى وزارة المياه والكهرباء (فوق البيعة) أن تقوم بالكشف على التمديدات الموجودة في الشوارع أو أماكن التوزيع، لأن هناك الكثير من التسربات، والتي كتب عنها في الصحف دون أن ترد الوزارة نافية أو تؤكد وجود التسربات في خطوط الإمداد، ومن شأن معالجة هذه المشكلة توفير كمية من الماء، نحن بحاجة ماسة لها في القرى والهجر والمدن البعيدة، وليس في المدن الكبيرة فقط!.
4- إعادة النظر في تعرفة المياه، فمن غير المعقول أن (10) آلاف لتر من الماء تكلف ريالاً واحداً.. ريالاً واحداً فقط!.
5- النقطة الأخيرة، لو مر أي مسؤول من مصلحة المياه كل صباح، سوف يرى الجداول وهي تتحرك من أمام الفلل والعمارات، وحتى المصالح الحكومية والخاصة، وهذه الجداول من الماء الزلال هي مخلفات غسيل السيارات، وأحواش الفلل، وهي تتفوق على ما تهدره الخادمة في المطبخ والسائق في غرفته!.
ليدرس المواطن والمقيم ومصلحة المياه هذه الملاحظات جيداً، وقبل ذلك وبعده: القرار بيد الجميع، فأما استخدم آمن ومستمر للماء وأما أزمات متتالية، قد تجعلنا نشتري قنينة المياه بريالين، لنمسح بها أجسادنا أو نشربها أو نطبخ بها!.
ملاحظة أخيرة، قرأت عن توزيع أدوات ترشيد المياه، والتي قيل إنها سوف توزع على المنازل مع إرشاد سكانها على طريقة تركيبها أو الاستفادة منها، يهمني القول بأن أحداً لم يطرق بابي، والمفروض حتى لو طرق الباب في وقت معين أن يتم طرقة في وقت آخر.. الترشيد يحتاج إلى جدٍّ وهمة عالية، والتوعية في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى وحدها غير كافية، فنحن في بلد مثلما فيه الكثير من الأمية فيه الكثير من الإهمال، الإهمال في حقوقنا وحقوق غيرنا، ولولا ذلك ما كتبنا أصلاً عن أزمة المياه، لأننا نعرف أكثر من غيرنا، أننا لا نعيش على نهر جارٍ، ومع ذلك نهدر الماء.. ماء الحياة!!.
فاكس: 014533173
|