يعد الاستثمار في بناء الإنسان السعودي الركيزة الأساسية للسياسات الحكيمة التي يتبعها ولاة الأمر - حفظهم الله - لتنمية هذا الوطن، ومن ذلك فتح باب ابتعاث الشباب للبلدان المتقدمة للحصول على العلم والتدريب والشهادات العليا في التخصصات التي يحتاجها الوطن ليعودوا بناة وحماة لمستقبل زاهر بإذن الله.
ومما لا شك فيه أن هناك اهتماما خاصا بابتعاث الشباب الذين يعملون في الجامعات والكليات من معيدين ومحاضرين ليكملوا دراساتهم العليا في جامعات وكليات البلدان المتقدمة التي تناسب تخصصاتهم، وتعمل الجامعات باستمرار على هذه الوتيرة بهدف تأهيل أعضائها ليقوموا بواجباتهم الأكاديمية والبحثية ويسدوا النقص وخصوصا في التخصصات العلمية.
وكم كانت صدمة المجتمع كبيرة عندما تحدث من يقف على رأس هرم أكبر الجامعات السعودية وأقرّ بأن الجامعة حاليا وخلال السنوات القادمة تواجه أزمة نقص أعضاء هيئة التدريس السعوديين لأن كثيراً منهم على وشك التقاعد ولم يتوافر بعد البديل الوطني الكافي، وقس على ذلك بقية الجامعات، وذلك لأن الخطة التعويضية من تعيين للمعيدين والمحاضرين وابتعاثهم لم تكن كافية بسبب الظروف المادية الحساسة التي مرت بها الدولة السنوات الماضية، مما يعني العودة وفتح باب التعاقد مرة أخرى مع أساتذة من خارج الوطن مرة أخرى!.وعند الحديث عن كليات المعلمين فإن تعيين المعيدين والمحاضرين وابتعاثهم في التخصصات العلمية لم يكن كافيا من الأساس، فبمجرد النظر إلى واقع عدد هيئة التدريس من الوطنيين في التخصصات العلمية في كليات المعلمين يتبين أن هناك نقصا كبيراً في عدد الوطنيين يصل إلى حد الانعدام في بعض التخصصات في بعض الكليات، ولعل ذلك مرجعه إلى عوامل أهمها عدم وجود حوافز قوية لإقبال المتفوقين من خريجي الجامعات للعمل بكليات المعلمين ومن هذه الحوافز الكادر الوظيفي الأقل من غيره في قطاع التعليم العام وقطاعات أخرى من المجتمع، إضافة إلى ضآلة فرص الابتعاث الخارجي الذي لا زال مطلباً واقعياً لمن يدرس بالتخصصات العلمية نظراً للتقدم الهائل في هذه المجالات في البلدان الغربية، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بينها وبين البلدان النامية.
ومثال ذلك فإن بعض كليات المعلمين وفي بعض التخصصات العلمية كالكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات لا يوجد بها دكتور سعودي واحد بالرغم من مرور أكثر من عشرين سنة على إنشائها؟ ناهيك عن قسم الحاسب الآلي الذي تم إدراجه مؤخراً ضمن تخصصات كليات المعلمين.
والأسئلة التي تحتاج إلى إجابة كثيرة منها:
1- إذا كان قد مر على تأسيس كلية المعلمين بحائل مثلا أكثر من عشرين سنة ولا يوجد بها دكتور سعودي في التخصصات العلمية إلى الآن، فكم هي المدة التي نحتاجها لسعودة أعضاء هيئة التدريس في التخصصات العلمية؟
2- في ظل الزيادة الكبيرة في أعداد الطلاب المقبولين التي تتطلب بلا شك الزيادة في أعضاء هيئة التدريس، فأين الرافد الوطني الذي تعتمد عليه هذه الكليات لمواكبة هذا التزايد؟
3- في ظل التطور الذي تشهده كليات المعلمين وانتقالها إلى التعليم العالي، وربما إلحاقها بالجامعات أو اعتبار بعضها نواة جامعات جديدة في بعض مناطق المملكة التي ستركز في المقام الأول على التخصصات العلمية، أين الكادر الوطني المؤهل الكافي في هذه الكليات الذي سيعتمد عليه بعد الله في أداء هذه المهمة وخصوصاً في ظل هذه الظروف الانتقالية؟ولعل الحلول العملية لهذه المشكلة تكمن في نقطتين رئيسيتين، أولهما: تحسين الكادر الوظيفي لأعضاء هيئة التدريس الوطنيين بكليات المعلمين، وهو الأمر الذي بشرّ به معالي وزير التعليم العالي قريباً، وفتح باب الابتعاث الخارجي لمن هم موجودون حاليا من المعيدين والمحاضرين ليعودوا في أقرب فرصة ويسدوا بعض العجز القائم، وهاتان النقطتان كفيلتان بجذب أعضاء جدد بل وكثر من المتفوقين من خريجي الجامعات.والجدير بالذكر أن هناك أكثر من خمسين مرشحا للابتعاث الخارجي ممن هم على قائمة الانتظار في قوائم وكالة وزارة التربية والتعليم للتدريب والابتعاث، وهؤلاء المرشحون يأملون من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم وفي وزارة التعليم العالي في دعم طلباتهم، حيث إن ملفاتهم موجودة لدى وكالة التدريب والابتعاث منذ أشهر عديدة ولم يتم ابتعاثهم لعدم وجود الاعتمادات الكافية، مما أثر سلبياً على نفسياتهم نتيجة لأن طول الانتظار سيؤثر بلا شك على الاستقرار الأسري والاجتماعي لهم وخصوصاً في ظل الظروف الانتقالية لوكالة الوزارة لكليات المعلمين من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة التعليم العالي، ولعل الدعم اللامحدود الذي وجّه به سمو ولي العهد - حفظه الله - لقطاع التربية والتعليم من فائض الميزانية يكون فرصة مواتية لابتعاث هؤلاء الشباب.
إذن هو نداء يوجهه الطلاب المرشحون من كليات المعلمين للابتعاث الخارجي لأصحاب المعالي وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي في فتح آفاق الفرصة لإتمام مشوارهم العلمي بمشيئة الله، ويحدوهم الأمل ألا تؤدي المرحلة الانتقالية الحالية لكليات المعلمين إلى مزيد من التأخير في ابتعاثهم لا سمح الله، داعين المولى عز وجل التوفيق والسداد للجميع.
أ. أحمد الغامدي
محاضر بكلية المعلمين بحائل |