سعادة الأخ أ. خالد بن حمد المالك..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
أشكركم جزيل الشكر على رسالتكم الرقيقة بخصوص التعليق على مواقف بوش وكيري حول أهم القضايا المطروحة في سباق الرئاسة الأمريكية الحالي ويسرني أن أشارك بما يلي:
1 - الإرهاب: يظهر أن موقف بوش من الإرهاب يقوم على تصور عسكري أمني وسياسة ردع استباقي، ومن التجربة القائمة يظهر أنها تعني سفك دماء الأبرياء وشن الحروب، دون نتائج محددة يمكن اعتبارها إنجازات محسوسة في القضاء على الإرهاب.. ويظهر أن سياسات بوش زادت من الإرهاب وليس هناك أفق للقضاء عليه.. ويظهر من أقوال كيري أنه ربما سيكون أكثر عقلانية وحسماً مع الإرهاب ولن يستخدم الحروب الاستباقية وقتل الأبرياء لمواجهة مشكلة الإرهاب.
2 - يظهر أن الموقف من القضية الفلسطينية من طرف المرشحين متقارب، لكن ربما كان هذا مجرد خطاب سياسي دعائي لصالح كسب أحداث اللوبي الصهيوني في مرحلة الانتخابات.. لكن موقف بوش في ولايته الأولى كان ضد مصلحة العرب والمسلمين في القضية الفلسطينية ولا يرجى أن يغيرها لأسباب تتعلق بموقفه اليميني المتطرف وتصوراته الدينية.. أما كيري فربما كانت له مواقف مماثلة، لكن لعله لا يكون ضحية لاتجاهات اليمين الأمريكي المتطرف ومن ثم لعل سيتبنى سياسات خارجية أكثر انفراجاً وحيادية.
3 - القضية العراقية: لا شك أن موقف بوش وإعلانه الحرب هو موقف أمني عسكري ويتعلق ربما بالمصالح البترولية المشبوه في العراق، فيما ما ينادي به كيري في حملته هو إيقاف الحرب وإخراج الجنود الأمريكيين من العراق وربما دعم العراق والعراقيين للاعتماد على أنفسهم فعلاً.. لذا لعل سياسات كيري أفضل من سياسات بوش في العراق.
4 - قضايا العالم: تنقص بوش في هذا الجانب الحنكة السياسية والدبلوماسية التي قد تجنب العالم المواجهات العسكرية الساخنة، فهو من دعاة الحرب ومن ثم تدخلاته حتى في القضايا التي تتعلق بالحروف الإقليمية تأخذ شكل حلول عسكرية كما هو الحال في حالة دارفور والعلاقات غير الودية مع ألمانيا وفرنسا حول العديد من القضايا الدولية.. بالنسبة لكيري الأمر غير واضح وغير معروف لكن نتوقع أن يكون أكثر دبلوماسية وأقل عسكرية وعنفاً في مجال العلاقات الدولية والقضايا الراهنة إجمالاً.
5 - إيران وكوريا الشمالية: موقف بوش من إيران متعنت ويعمل من أجل التحريض على مواجهة عدائية مع إيران حول السلاح النووي وكذلك لأسباب تتعلق في توازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط، ويظهر أن موقف بوش يكاد يكون مطابقاً لموقف إسرائيل والهدف تجريد أي دولة إسلامية من إمكانية الحصول على قوة نووية رادعة تقف في وجه التهديد الإسرائيلي.. وموقفه من كوريا الشمالية غير واضح، لكنه أقل عنفاً ومواجهة عن موقفه من إيران.
أما كيري فيظهر أن موقفه يميل إلى أن يكون أكبر دبلوماسية وعقلانية، ويظهر أن سياساته تميل إلى التفاهم مع إيران وليس الضغط عليها لمواجهة قد تنتهي إلى مواجهة عسكرية قائمة على مبررات وهمية مثل مبررات السلاح التدميري الشامل في العراق.. وبالنسبة للعلاقة مع كوريا فإنها عبارة عن استمرار سياسات الديمقراطيين معها منذ عهد كلينتون.
6 - القضايا الاستراتيجية: يظهر أن بوش لا يرى أوضاع أمريكا سوى في شكلها الإمبراطوري بوصفها القوى العظمى الوحيدة، ومن ثم يتعامل مع كافة القضايا الاستراتيجية من زاوية التفوق والهيمنة وبغطرسة معلنة، وهذا يعني أن أمريكا لم يعد يهمها في سياساتها سوى مصالحها الآنية، حتى لو كانت على حساب مصالح الدول الأخرى، مما سيعني بالضرورة تعارض في المصالح واستهتار بمقررات الأمم والشعوب مما يؤدي إلى عداء متزايد بين أمريكا وبقية العالم بما في ذلك الحلفاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهم.
أما سياسات كيري فيظهر- وإن كانت غير واضحة تماماً - أقل استعدائية ومواجهة مع العالم وربما سيميل كيري إلى سياسة أكثر جدية في التعامل مع مصالح دول العالم والعمل على الاهتمام بالقضايا البيئية وتحسين العلاقات التجارية والاقتصادية بما يفيد أمريكا ولكن لا يضر بالعالم.
7 - مداهنة اليهود: يظهر في ظل أوضاع الانتخابات سيهادن كل من بوش وكيري اليهود.. لكن مواقف بوش لصالح إسرائيل واضحة وجلية، أليس بوش هو الذي قال إن شارون رجل السلام! ألم تتجرأ إسرائيل بشكل فاضح في فترته الرئاسية بتجاوز كل الأعراف الدولية، ولم يستنكر بوش هذه الأوضاع وإنما قام بمكافأة شارون وقدم له الوعد الثاني بعد وعد بلفور بحماية الدولة العبرية والوقوف ضد مصالح وطموحات الشعب الفلسطيني.. هل سياسات كيري وإن كنا نستبعد ذلك تكون أقل تحيزاً لإسرائيل ضمن المصالح الفلسطينية؟.
8 - يظهر أن شخصية بوش تسعى لتمثل الكاوبوي العنيف الذي يسعى إلى إهدار دماء أكثر ويقود بنجاحات هي في الواقع فشله في كل الأمور.. فهو ينادي بالقضاء على الإرهاب لكن الإرهاب ازداد قوة ودربة بسببه، وليس له أي نجاح اقتصادي يمكن أن يعزى إليه، علاقات أمريكا الدولية أصبحت سطحية، والحديث عن تجاوزات قانونية في الانتخابات والأمور المالية (خاصة في نفط العراق) وتجاوزات في التعامل مع السجناء (أبو غريب)، وغير ذلك من فظائع (لعل من أهمها التعامل مع سجناء أفغانستان في كوبا) كل هذه التجاوزات جعلت أمريكا في ولاية بوش لا تختلف عن أي ديكتاتورية صغيرة في إحدى دول العالم الثالث بفسادها وفوضاها ولا مسؤولياتها الأخلاقية.
كيري يظهر أنه مرشح متردد غير حاسم لأموره، ويظهر أنه شخص قليل الخبرة وليس بالخطيب المفوه القادر على امتلاك قلوب الناس وعقولهم، ويعاني من عدم القدرة على تقديم خطاب سياسي مقنع، رغم فظائع ونقاط ضعف بوش، سجله أفضل من بوش لكن لبوش من الداعمين والمساندين ما ليس لكيري.. والله أعلم.
|