نحمد الله- عز وجل- أن هيأ لنا في هذه البلاد المباركة مؤسسات تعليمية حكيمة، ومناهج ذات صبغة إسلامية رشيدة، تغرس في نفوس متلقيها العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتربي في قلوبهم روح الفضيلة، وتنفرهم عن الرذيلة، وتذكي فيهم روح التسامح والخير، وتعينهم على نشر النور والخير في أرجاء المعمورة. فلك الحمد ربي أولاً وآخراً على نعمك العظيمة التي امتننت بها على أبناء بلادي، حيث يسرت لهم طريق الخير، ووفقتهم للعلم النافع والعمل الصالح.
ولما كانت المدرسة هي مهد التعليم وأساس بناء الأجيال، ولما لها من الدور الأكبر والفعال في تربية النشء، وغرس مبادىء الفضيلة في قلوبهم، وزرع الثقة في نفوسهم، أحببت أن أوجه كلمة- ونحن في بداية هذا العام الدراسي الجديد- لإخواني مربي الأجيال، ورثة الأنبياء والرسل، فأقول مستعيناً بالله:
تعلمون ويعلم الجميع أن صلاح كل أمة مرهون بصلاح شبابها، وأنتم وقد استأمنكم المسلمون على أبنائهم تحملتم أمانة عظيمة عجزت عن حملها السماوات والأرض، فأدوا الأمانة على أكمل وجه، وراقبوا الله عز وجل في أبنائنا وإخواننا، كونوا لهم خير موجه ومعين على أمور الخير، كونوا لهم قدوة صالحة يتعلمون منكم فضائل الأعمال والأخلاق، أرشدوهم إلى لزوم منهج السلف الصالح، دلوهم على ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، وحثوهم على فعله، وبينوا لهم ما يضرهم ويفسد دينهم ودنياهم وحذروهم من مقارفته.
ثم أقول: إن الشباب اليوم ومع هذه التحديات الكبيرة التي تواجهه في بيته ومدرسته وحيه من قنوات هدامة، وأفكار متطرفة، وفتاوى مغرضة، ليحتاج إلى من يسمع همومه، ويبث إليه شجونه، ولن يفصح الشاب عما يحيك في نفسه من هموم وأشجان إلا لشخص وثق بمحبته له وإشفاقه عليه، ولذا كان لزاماً عليكم أيها المعلمون: أن تفتحوا صدوركم لطلابكم لسماع همومهم وتلقي مشكلاتهم، وأن تحاوروهم وتدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة من غير عنف ولا تجريح، وألا تفرضوا عليهم آراء تصادر حرياتهم وتحطم آمالهم مهما كانت.
ولتعلموا بأن الشباب إن لم يجدوا منكم صدراً رحباً، ونفساً متقبلة لآرائه وتساؤلاته فإنه سيجد من يحتضنه من شياطين الإنس والجن.
وإني لأتساءل:
إلى متى سيظل الشاب حبيس الخوف لا يستطيع نقاش معلمه أو محاورته؟ وإلى متى سيفرض المعلمون (حالة الصمت) أثناء إلقائهم دروسهم ومحاضراتهم؟
وإلى متى ستظل الجهات الأمنية - بل مؤسسات الدولة كافة - تتحمل نتيجة إهمال بعض رجال التربية والتعليم وعدم مبالاتهم بأحاسيس ومشاعر طلابهم؟.
هل يعي المعلمون اليوم أن بداية انحراف أكثر الشباب هي بسبب ما يعانيه في مدرسته من تجاهل لذاته، ومصادرة لرأيه وعدم احترام لكيانه؟
هل يعي المعلمون اليوم أن أكثر من تورط من الأحداث في قضايا جنائية هم ممن قوبلوا في مدارسهم بقسوة وعنجهية، وبدون تفهم لما تتطلبه مراحلهم العمرية؟
هل يعي المعلمون اليوم أن دورهم هو دور إصلاحي تربوي بالمقام الأول؟
إن الوظيفة التعليمية ليست مجرد ساعات يقضيها المعلم بين طلابه، بل هي أكبر من ذلك بكثير.. إنها تربية أمة تتشوق لرقي المجد ومناطحة السحاب.. إن الآمال معقودة على نتاجكم وغراسكم.. إن هؤلاء الناشئة أمانة في أعناقكم وسوف تسألون..
وفي الختام أسال الله عز وجل أن يوفق شبابنا لما فيه خير دينهم ودنياهم، وأن يجعلهم قرة عين لدينهم ووطنهم، وأن يحفظ لبلادنا أمنها واستقرارها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|