تتغذى الحملة الانتخابية الأمريكية، في جانب منها، على دفقات من الدماء العراقية الحارة التي يسفكها جنود أمريكا في أصقاع العراق النائية البعيدة من مظاهر الزخم الانتخابي والهرج والمرج الذي يصاحب وقائع اليوم الأمريكي الكبير المتمثل في الإدلاء بالأصوات.. فما يحدث في الأرض الأمريكية يترجم في واقع الأمر الوقائع المرّة لأداء الدولة العظمى في الأرض العراقية.
وبينما يحتفي البعض بمشهد هذه الدماء باعتبارها ضريبة مهمة للحفاظ على أمن أمريكا حسبما يقول الخطاب الرسمي الأمريكي، فإن آخرين ينظرون إليها كفشلٍ صاعقٍ على تدبير الأمور بالتي هي أحسن، ومن ثم فإنهم يترجمون إحساسهم هذا من خلال خيارات التصويت فيحجبون صوتهم عن الرئيس بوش.. غير أن آخرين يرون فيما يحدث عين الصواب ومن ثم فإنهم يدلون بصوتهم لصالح الرجل الذي يقف وراء ذلك.
ولا يمكن فصل ما يحدث في المثلث السنِّي أو ما يعرف أمريكياً بمثلث الموت وسط العراق بما يجري من لهاث انتخابي في الولايات المتحدة، فهناك تصاعد غير مسبوق للقتال مع تهديدات متلاحقة سواء من بغداد أو واشنطن بالعزم على القضاء على المسلحين بما في ذلك أبومصعب الزرقاوي المثير للجدل.. ويبدو أن المشهد الجاري في العراق، حتى وإن كان لا يحقق أيَّاً من الأهداف المعلنة على أرض الواقع، فالمقصود منه إعطاء المعنيين صورة لما تريد واشنطن أن تقول إنه عزم منها على بذل أقصى ما لديها لضرب الإرهاب حيث هو قبل أن يمتد إلى الأراضي الأمريكية خصوصاً في ظل ظهور أسامة بن لادن في الفضائيات قبل يومين من التصويت في هذه الانتخابات.ولا بأس في خضم هذا القصف الجنوني الذي أسفر حتى الآن عن مصرع عشرات المدنيين الأبرياء أن يتم تحقيق بعض النتائج، وسيكون أمراً مرغوباً بشدة لو تم العثور على الزرقاوي أو تحقيق إنجاز ما من شأنه أن يرسل رسالة سريعة وأخيرة قبل لحظات من التصويت، وإلا فإن مجرد هذا الزخم الحربي والعسكري واستعراض القوة العظمي وسط الأحياء الشعبية الفقيرة في الرمادي والفلوجة وغيرها من حواضر وأرياف المثلث السنِّي تثبت أن بوش ما زال هناك وأنه يؤدي المهمة وأن قوة النيران الكثيفة هي مظهر لذلك العزم على وأد الإرهاب هو قبل أن يعبر المحيطات إلى حيث أمريكا.
|