لا أحسب أنَّ زمناً كثرت فيه السَّرقة ، مثل هذا الذي نمرُّ فيه بألوان عديدة منها... ، وأساليب متنوعة...
فسرقة المال؛ ليست جديدة على الإنسان ، لذلك شُرّعت لها العقوبة المتدرجة... حدَّاً يصل إلى قطع اليد والقدم... فيمن يستفحل فيه الدَّاء ولا يجدي معه الدَّواء...
والسَّرقات الأخرى, منها السرَّقة بالعين ، والسَّرقة بالأذن ، والسرقة باللسان... ، وأشدّ أنواع السرقات انتهاكاً لحقوق الآخر ، سرقة الأفكار والمنجزات القولية التي لم تثبت ، و تنتشر مثل هذه السرقة بكثرة في مجال التعليم ، والثقافة ، والإبداع المنطوق...
لكن ، الذي يسرق إحساس الناس ، وينتهك حدوده ، ويخدشه بظلم ، ويتعدّى عليه باستلاب كيف يُكشف أمره ، وما نوع عقوبته ؟
فاختلاس النّظر ، من السرقات التي قد ترى ، وكذلك التنصُّت على الآخر قد يُكتشف ، وسارق الرأي قد يُشهد عليه ، وناقل الفكرة قد تُردَّ عليه فكرته ، والقول يخرج في جماعة علم ، أو فكر ، أو أدب قد يجد من يُثبته لصاحبه ، حتى إن لم يكن مدَّوناً في مرجع..., لكن من يمكنه أن يعيد للإحساس المسروق منه ما سرق له؟ من يمكنه أن يسدِّد حسابات المشاعر ، وينصف المطعون فيها؟ ويعيد لها طمأنينتها ، وسكينتها ؟ من يُمكنه أن يحاكم سَرَقةً لا يُرَوْن ، ومستلبين غير ملحوظين ، إذ يقال إنَّ كلَّ سارق لابد أن يترك أثراً له ، يقود إلى الوصول إليه... غير أن سارقي الدَّواخل في الإنسان
ما هي آثارهم الدَّالة عليهم ؟
لقد وجد في التوجيه الرَّباني لحسن الخلق ، واستقامة السلوك ما شمل الجوانب المادية وكذلك المعنوية في الإنسان إذ إنَّ الخالق العظيم وضع منهجاً للخلق القويم ، وربَّى عليه أنبياءه ورسله ، وختم به صاحب الخلق العظيم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام... وجعل من أدواء النفس البشرية الدافعة والمحرضة على سوء الخلق وبالتالي أمراض السلوك ما يوجب التوجيه والتربية ومن ثمَّ العقوبة.. والعقوبة الظاهرة للإنسان في داء السرقة المادية مقرَّة ويعلمها الجميع ، أمَّا عقوبة السرقات المعنوية فشأنها بيد الله تعالى... من هنا حرمت تجاوزات العين ، والسمع ، واللسَّان.... ، ونهي عن النَّظر إلى ما متَّع الله به أناساً عن أناس ، وسئل الإنسان لتمام عفَّته وقناعته أن يرضى بما قسم الله له من الرزق بأنواعه كي لا يطال غيره بإحساس النَّقص ومن ثمَّ تحوله نفسه لسرقة ما عندهم...
إنه زمن السرقات على أنواعها...
لكنَّه ، متى يصبح زمن العفة والعفاف ، والرضى والقناعة ؟
متى يرقى خلق الإنسان...
حين ليس غير الله شاهد على ما في نفسه وما تجري به نواياه ؟!
|