أتذكر أنني كتبت قبل فترة عن حالة وقعت أمامي، لعامل سقط من أدوار عليا أثناء عمله، وقد بدا أمامنا ميتا متمددا على الأرض في عز الظهيرة لساعات وتحت الشمس، وهو المنظر المهول إنسانيا كونه لا يتكرر كل لحظة، بينما تسارع السكان وأنا منهم للاتصال بأقرب مركز للشرطة لإسعافه أو نقل جثته إكراما لموته.
ولا أنسى رد بعض الموظفين الذين تلقوا البلاغ مرارا، كون العملية أخذت ما يقارب الساعات الأربع، عندما أجابني أحدهم بأنني لا يجب أن أفهمهم عملهم، وكأن الناقص لديهم أن تتصل امرأة لتؤكد أن الرجل شبع موتا ولم يتم نقله وغاب عن ذهنه حينها أنني لم أكن أفهم معنى عبارة (الشرشورة) التي كانوا جميعهم يسكتونني بها (لقد بلغنا الشرشورة).. كل هذا تمنيت أن يكون ماضيا، وأن حادثة يمكن أن تحدث سهوا أو خطأ وجل من لا يخطئ.
لكن المسألة كما يبدو من قبل البعض أنها تطبيق لنص القانون بعيدا عن روحه وجوهره الذي يجب ألا يلغي إنسانية ومشاعر الإنسان. وأن الدولة التي وضعت النظام لن تقبل بامتهان الكرامة للأموات والأحياء لمجرد تندر الموظف بأنه قد أدى المهمة التي انتهت بكتابة البلاغ إلى أن يأتي الله بأمره.
تزامن هذا الحدث مع حوادث متتالية معظمها يتفق على أن إجراءات الدفن خصوصا في الحادث بطيئة جدا ولا تتناسب أبدا مع الإنسانية ومع مبادئ الدين الحنيف التي يؤكدها المأثور وهي أن إكرام الميت دفنه.
قد نستثني حالات الجرائم والموت الغامض التي يجب أن تأخذ إجراءاتها الطريق الصحيح. أما عن حالات الموت العارضة أو الطبيعية كالحوادث وغيرها فيجب أن تكون لائقة بآدمية الإنسان وإن تطلب الأمر وقتا يقتطع حال إنهاء إجراءات الدفن وتسلم الجثة، فلا يجب أن تتجاوز المعقول الذي يليق بمشاعر أهل المتوفى وحرمة الميت وهيبة الموت.
توافق هذا الهاجس مع حادثة طالب توفي وهو في طريقه من المدينة المنورة إلى جامعته في جدة. وقد احتجزت جثته وصادف ان الضابط الذي وقع على الأمر قد بدأ إجازته الأسبوعية مما جعل أمر الاحتجاز يمتد يومين ما دعا أسرته إلى رفع شكوى هذا الضابط كما ورد الخبر في صحيفة (عكاظ).
ظننت أن عابر الحوادث مجرد مصادفة، لكن الأمر يطول ويطول، ويمس مشاعرنا جميعا كبشر ومواطنين وأمة تدعو إلى احترام الموت اقتداء بما يحث على تعجيل الدفن من دون امتهان لمشاعر الأحياء والموتى معا.
إنه نداء إلى وزارة الداخلية بالحث على الإسراع في إنهاء مثل هذه الإجراءات وعدم إطالتها بما يقرره بعض الموظفين الذين لا يفرقون بين أمر على الورق كأداء عمل روتيني محض ليس إلا وبين موقف إنساني خالص قد يقع فيه أي منا ولا تعلم نفس بأي أرض تموت.
|