* حول الاستبيان الذي أجرته الجزيرة بعنوان (البيت الأبيض لمن؟)
وتواصلاً مع الاهتمام المتصاعد بالانتخابات الأمريكية وما قد تفرزه من نتائج.. استقصت (الجزيرة) بعض الآراء التي تدور في أذهان مفكرين وكتاب وأكاديميين حول الحدث، حيث عبَّروا عما يستشعرونه إزاء هذه الانتخابات وتوقف كل منهم عند محطات اعتبرها ركيزة مهمة عند التطرق للاقتراع على سيد البيت الأبيض القادم.
هذيان الإرهاب
* الدكتورة نورة خالد السعد - أكاديمية وكاتبة - شاركت بهذه الرؤية حول الانتخابات الأمريكية حيث قالت: رغم أن فوز أحد المرشحين بأن يكون هو الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربع سنوات لن يغير في استراتيجيتها تجاه قضايانا نحن المسلمين والعرب لأن هناك اختلافا في وسائل الهيمنة على العالم وليس العيش مع هذا العالم.. وما طرح في الجزيرة من محاور مهمة عن هذا الحدث الذي أصبح هو الزاد اليومي للقنوات الإعلامية بمختلف توجهاتها وتنوع تأثيراتها.. فلا بد أن نعيش في مناخاته شئنا أم أبينا رغم معرفتنا (مسبقا) أن احتلال كيري لمقعد الرئاسة أو بقاء (بوش) هو تغيير في الأسماء فقط وليس في نقله شبه نوعية تجاه قضايا الإنسان بشكل عام وليس الإنسان المسلم والعربي على وجه الخصوص فقط.
إن الحرب على الإرهاب - كما يقولون - لم تحقق للعالم سوى المزيد من الدمار وأول من اكتوى منها ليس المسلمون فقط وأعداء الصهاينة في الدول المجاورة لفلسطين المحتلة وبقية المناطق التي تمثل إما بؤرا للنفط كما في أفغانستان أو مخازن لرفض العدوان على معتقداتها وقيمها في العالم الإسلامي.. لقد اكتوى الشعب الأمريكي نفسه من هذه الحروب ليس قتلا في العراق ولكن أيضا (كرها) لمسمى أمريكي في أي شيء.
كنت أتمنى أن يضاف محور آخر عن (الديموقراطية) ورؤية كل منهما تجاه هذا (المفهوم الهلامي) الذي يتم استخدامه في مواقع ومناطق خالية منه بل بالعكس ما يمارس فيها هو (الديكتاتورية في أعلى مستوياتها) فما يحدث في العراق حاليا هو مناقض لما يعلن عنه الرئيس بوش في خطاباته بأن هناك أعداء للحرية والديموقراطية في العراق!!
(حالياً) وفي أمريكا ذاتها هناك إضعاف لهذه الديموقراطية منذ أحداث سبتمبر من ممارسات غير قانونية بدأت تدخل نسيج العلاقات الجماهيرية وليس فقط كواليس الإعلام وتغييب الحقائق عن الشعب فيما يخص حرب بوش في أفغانستان والعراق واستنزاف خزينة الدولة وحرمان العمال هناك والطبقات المتوسطة من خدماتهم الصحية وتقليصها بدعوى تحريك الميزانية لدعم الحرب على الإرهاب!! بخلاف حقائق هذه الحرب في كل موقع.
(الديموقراطية) كانت محوراً مهما مع هذه المحاور لأن هذه الكلمة هي القنبلة الموقوتة لإلغاء أي نظام ديكتاتوري وما يحدث حاليا هناك هو بدء بزوغ (ديكتاتورية ممنهجة)!! يسقط عليها الإعلام الألوان والتبريرات، كي يتم (تسويقها) للعالم وهو في حالة من (هذيان الإرهاب)!!
عنوان جميل!
* وشارك عبد الله الصالح العثيمين برؤية أخرى حول استبيان (الجزيرة) وموضوع الانتخابات الأمريكية.. وقد قال في هذا الشأن: عنوان الاستفتاء الذي طرحته (الجزيرة) الغراء (البيت الأبيض لمن؟) وقد أمدَّت المستفتَى بنظرة كل من بوش وكيري إلى ثمانية محاور، ورحم الله من عرف قدر نفسه، فكاتب هذه السطور مجرد قارئ لما استطاع قراءته عن تاريخ زعماء الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة ما يتعلق بقضية أمتنا العربية وعالمنا الاسلامي، وعنوان الاستفتاء جميل يذكِّرني بحادثة مرَّت بي عندما كنت أدرس في مدينة أدنبرا الأسكتلندية، ذات يوم نزلت إلى لندن، وكنت قد سمعت بسوق يجلب فيه اليهود ما يجلبون يوم الأحد، سألت أحد رجال البوليس البريطانيين: أين سوق اليهود؟ فكان جوابه: أيها الشاب - وكان ذلك قبل 35 عاما - هل يوجد سوق غير يهودي؟
تلك الحادثة - وأهم ما فيها جواب رجل الشرطة البريطاني - تجعلني أجيب عن سؤال الاستفتاء إجابة مختصرة على هيئة سؤال هل يمكن أن يحتل رئاسة البيت الأبيض من لا يرضى عنه الصهاينة؟
إن قراءة تاريخ زعماء أمريكا، ابتداء من الرئيس ولسون وانتهاء بالرئيس بوش الحالي، تثبت أن كل رئيس أمريكي، جمهورياً كان أو ديمقراطياً، قدم للصهاينة كثيراً مما أرادوه من خدمات، والمجال - بطبيعة الحال - لا يسمح بإيراد ما قدمه كلٌ منهم من تلك الخدمات.
أصل مشكلة أمتنا قادة وشعوباً، أنها - على العموم - فقدت الثقة بنفسها، وأصبحت ترى أنها عاجزة عن أن تحك جلدها بظفرها.
ليس المهم من يترأس البيت الأبيض، وإنما المهم هو: هل ستظل أمتنا سادرة مستخذية تلهث وراء سراب بقيعة؟!
بوش أم كيري؟
وكتب فؤاد أحمد البراهيم عن هذه المناسبة التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية ويتابعها العالم بأجمعه فقال: شلل على وجه الأرض وجمود مؤقت تعيشه السياسة العالمية ما أن يدخل السباق نحو عتبات البيت الأبيض في واشنطن.
وكافة دول العالم تضبط ساعتها على ميقات الولايات المتحدة ويتحول كافة الساسة آذاناً وعيوناً تصغي وتراقب تفاصيل الحملات الانتخابية الأمريكية قبل وضع أي من السياسات القطرية أو الدولية فبرنامج الرئيس القادم يحدد شكل ومحتوى العلاقات الدولية.
هذا التأثر العالمي لا يقل عنه داخل الولايات المتحدة ويتسم الأمريكيون بالسذاجة الإعلامية وأنهم الأكثر بين أمم الأرض تأثراً بالإعلام.
تنتشر في موسم الانتخابات الأمريكية المراهنات انتشاراً كبيراً وتطغى المراهنات في أمريكا على رجال الأعمال والمال وأصحاب المهن الرفيعة وذوي الرأي والمكانة وليس للطبقة العادية من الشعب فقط.
من المراهنات الغريبة أن يحمل المغلوب الآلة الموسيقية المتنقلة التي تدار باليد ويطوف الغالب على الجماهير فيجمع منهم النقود التي يتبرعون بها ويحتفظ بها مكسباً حلالاً له.
الآن ستنتخب الولايات المتحدة أقوى رجل في العالم. قابلية الربح والخسارة للمرشحين تجعلها أكثر تشويقاً وأكثر أهمية، هناك من يراهن على نجاح بوش في الانتخابات لما حققته قوات الأمن الداخلي من نجاحات ضد أي عمل إرهابي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وللنجاح السريع في كل من أفغانستان والعراق وسرعة كسب الحرب.
لكن هناك من يراهن على هزيمته أمام المرشح كيري وأن ثقة الشعب الأمريكي بالرئيس الأمريكي بوش غير ثابتة وغير راسخة.
ومن المحللين السياسيين من يراهن حتى لو خسر بوش فأن أمريكا لن تغير سياستها الخارجية.
ننتظر ماذا يأتي به المستقبل؟! بعد الشريط الأخير لأسامة بن لادن الذي طرح فيه نفسه وبقوة في التأثير على الانتخابات دفع كلا المرشحين على المزايدة للمحافظة على أمن أمريكا وشعبها، وإقناع الناخب بضرورة القضاء على الإرهاب.
ظهور أسامة في هذا الوقت بالتحديد وخطابه للشعب الأمريكي زاد من الضرر للصورة الإسلامية في رأي الشعب الأمريكي.
اختلاف في التكتيك
وأسهم الدكتور محمد الأحمد بالكتابة عن الانتخابات الأمريكية وبعض النقاط التي ركز عليها المرشحان الرئيسيان فقال: إن حملات الانتخابات الأمريكية، وعبر تاريخها الطويل، عودتنا أن ليس كل ما يقال عبرها سوف يتم تنفيذه على نحو دقيق. ونرى أن الرؤساء السابقين، وإن أفصحوا عن توجهاتهم وبرامجهم الانتخابية، فإنهم لا يحيدون عن خطوطها العامة أو استراتجياتها المتفاوتة، على نحو ما ثبتته هذه السياسات حول القضية الفلسطينية والحرب الباردة والمواقف حيال كوريا الشمالية والصين وغيرها. إذن، هناك خطوط عريضة في السياسة الأمريكية لا يمكن النكوص عنها أو الالتفاف عليها. يظل الاختلاف حول هذه الثوابت محصوراً في التكتيك فقط. وما طرحه بوش وكيري عبر المحاور التي تطرقت اليها (الجزيرة)، يبقى الهدف ثابتا لدى الطرفين، ويكمن الاختلاف فقط في كيفية الوصول إلى الهدف.
ويبدو معروفاً، أن الناخب الأمريكي معنيٌّ بالشأن الداخلي مثل الضرائب والاقتصاد عموماً فضلاً عن قضايا التعليم والصحة والتقاعد، وكل ما يهم وما يلامس حياته اليومية، بينما يتقلص هذا الاهتمام إن ورد الشأن العالمي وقضاياه.. رغم أن هناك تحولاً طفيفاً طرأ على الاهتمام بالشأن الدولي، مرده إلى حالة العولمة التي تجتاح العالم وجعلت منه قرية صغيرة، بيْد أن ذلك ليس معياريه جارفة إلى الحد الذي يقلب المعايير الثابتة لدى الناخب الأمريكي.
وحول الشأن العربي في الأجندة الانتخابية الامريكية، ذكر وكيل كلية الآداب بجامعة الملك سعود، د. محمد الأحمد، أن ما ورد في بعض البرامج الانتخابية للمرشحين، حول بعض قضايانا العربية مثل النفط، فإن ذلك لن يتم تنفيذه بتلك الفورية، فتلك استراتجيات طويلة المدى.
وبالطبع، إن طرح البحث عن مصادر بديلة للنفط، ليس جديداً، فضلاً عن أن بوش منذ ترشيحه في العام 2000م، لم يذكر أنه سيغزو العراق.
إن خلاصة ما تتمحور عنه السياسات الأمريكية في هذا الصدد، هو وأد أي توجه لانبثاق ثقافة أو قوة معادية لسيطرة أمريكا على العالم.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أوضح د. محمد الأحمد أن هناك استراتيجية أمريكية ثابتة تتلخص في وجوب بقاء اسرائيل كذراع امريكية في المنطقة.
ولقد علمتنا التجارب أن تعامل الرؤساء هو الذي يؤثر في الموقف الأمريكي، إذن، علينا أن لا نتكئ على أحلام أن الرئيس المنتخب يمكن أن يعدل في ثوابت السياسة الأمريكية، فالموقف واضح.
ويرى د. محمد الأحمد أن الترجيح يأتي لمصلحة بوش لأنه في الذهنية الأمريكية العامة، هو من حاول إعادة هيبة أمريكا في المشهد العالمي، عبر محاربته للإرهاب، فضلاً عن انحسار أي عمل إرهابي داخل أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر.
تراكمات صعبة
وكان للدكتور مازن عبد الرزاق بليلة مشاركة مكتوبة بهذه المناسبة جاء فيها: من خلال استقراء الآراء المطروحة من الرئيس بوش والمرشح كيري، يظهر مدى بعد الرئيس بوش عن فرص إعادة الانتخاب، لأن الفشل الذي تعاني منه السياسة الخارجية الأمريكية كبير، والنقاط التي أثارها منافسة المرشح الديمقراطي ضده تؤكد مدى خسارة الولايات المتحدة من السياسة الخارجية السابقة، وهي تتلخص في ثلاث نقاط:
الأولى تخص عجز الحكومة الأمريكية عن التصدي لهجمات11سبتمبر، بطريقة مكافئة، ووصول الطائرات الى البنتاجون، وتحطيم برجي التجارة، واستهداف البيت الأبيض، في أربع محاولات اختطاف دفعة واحدة، مما يدل على أن الأمن الأمريكي مخترق من الداخل، ومع ذلك المعالجة الأمريكية لم تكن حكيمة، وما زال التخوف قائما، ومعدل الارهاب العالمي في زيادة وليس في نقصان، مما يدل أن سياسة الرئيس بوش لمكافحة الارهاب سلبية، وأفرزت المزيد منه بدلاً من الحد منه.
والنقطة الثانية تختص بسياسة الحروب المدمرة للحكومة الأمريكية، والتعجل بالتحرك الفعلي للزج بمئات الألوف من أفراد الجيش في حروب انتهت الحاجة اليها، والحرب العسكرية ليس لها مبرر بهذه الضخامة وبهذه التكاليف، وبعد سقوط النظام العراقي، وجد العالم أنه ليست هناك أسلحة دمار شامل، ثم تسرب أسلحة ومتفجرات بالأطنان من مخازن الجيش الأمريكي بالعراق، وتورط الجيش الأمريكي في مستنقع العراق بعد الحرب، يعيد مأساة فيتنام، حيث تجاوز القتلى الألف قتيل بعد الحرب، إضافة إلى فضيحة سجن أبو غريب، كل ذلك دليل على فشل سياسة التحرك العسكري المستعجل.
وثالثاً يتعلق بالشأن الداخلي للولايات المتحدة، مثل التراجع الاقتصادي المخيف للولايات المتحدة، من زيادة لأعداد البطالة، وزيادة العجز العام للميزانية الأمريكية، وارتفاع اسعار النفط العالمي ضعفين أو حتى ثلاثة أضعاف، دليل على أن سياسة تأمين منابع النفط بالقوة العسكرية والجيوش الجرارة غير صحيح، لأن الخوف والقلق ضد الاستقرار، وعدم الاستقرار يؤدي لارتفاع الاسعار، والشبهات المالية حول نائب الرئيس نفسه ديك شيني، واستغلال النفوذ لعقود ضخمة بالمليارات دون محاسبة ودون رقيب لشركات أمريكية بينهما علاقة مشبوهة، وعجز الرئيس أو نائبه من رد هذه الشبهات في المناظرات التلفزيونية.
أما عن سياسة الحكومة الأمريكية في فلسطين فسوف تظل ثابتة، وهناك تراكمات من 50 عاماً لن يستطيع أي رئيس في خلال أربع سنوات لولاياته من تجاوزها، ولكن المخيف في سياسة بوش محور الشر الذي أدخل ايران وكوريا الشمالية مع العراق، ومدى خطورة هذا التعليق المستعجل في إثارة الارهاب الدولي، ونزعة اسرائيل الاستفادة منه لضرب المفاعل النووي الإيراني في أقرب فرصة.
لماذا التدويل؟
وللدكتور عبد الله بن ناصر الحمود رأي حول الممارسات الإعلامية العربية في مثل هذا الظرف، فهو يرى أن انشغال الإعلام العربي والفضائي خاصة بالانتخابات الأمريكية شكل من أشكال الإحباطات العربية، فلو كان القطبان الأمريكيان المتصارعان على كرسي الرئاسة الأمريكية يمتلكان مشروعين متباينين أحدهما مواصل للفكر السياسي المتطرف، والآخر يبدو أكثر عدلا وإنصافا للمجتمع الدولي لأصبح من الممكن قبول التسابق العربي على تغطية أخبار وأحداث الانتخابات الأمريكية الراهنة.
لكن الذي يبدو بوضوح كامل هو أن الرجلين يحملان مشروعات وطنية داخلية ينظران اليها كل بأسلوبه وطريقته، في حين يتفقان على أن العالم كله يجب أن يخضع لأمريكا خلال السنوات الأربع القادمة بشكل أكثر مما هو عليه اليوم.
وفي ظل هذا الاتفاق الضمني على العداء للمجتمع الدولي والإسلامي بشكل أكثر تحديدا تفقد كل الممارسات الإعلامية العربية الراهنة حول الموضوع كثيرا من دلالاتها ومبرراتها.
* ويواصل د. الحمود حديثه قائلاً: لو كان أحد الرجلين ومن في فلكه معنا والآخر ضدنا لحق لنا أن نناصر من نعتقد عدله وإنصافه لكن أن تكون مراهنتهما على من يحقق الربح القصير المدى لأمريكا، فهذا أمر كان عليه أن يضعنا في منطقة محايدة وأن نقوم تجاهه بعملنا الإعلامي باعتباره حدثا دوليا يحدث هناك في أمريكا وحسب.
أن يبقى بوش في رئاسة أمريكا، أو يحل محله كيري، لن يغير كثيرا في نظرة الولايات المتحدة الأمريكية وفي إجراءاتها على المسرح الدولي المعاصر، حيث يبدو أن الأمر قد خرج عن السيطرة الفردية لشخص الرئيس لتتولاه المؤسسات الأمريكية الضخمة التي تديرها العقلية والإرادة اليهودية بطرق مباشرة وغير مباشرة، ويبدو أن كسب الرهان لمقعد الرئاسة لم يعد مرتبطا بمعايير العدل والإنصاف الذي كانت أمريكا تعرفه، لكنه ذو علاقة بنسبة العداء للعرب وللمسلمين وبمهارة المرشحين للرئاسة في إثبات قدرتهما على تحقيق أعلى قدر من الإضرار بمصالح العرب والمسلمين مع الحفاظ على أعلى قدر من المكاسب الأمريكية.
ولأن الأمر - كما يبدو - بهذه الطريقة، فقد كان ينبغي أن ينظر الإعلام العربي لسباق الرئاسة هذا باعتباره شأنا داخليا أمريكيا فلن تؤثر التغييرات القادمة على علاقة أمريكا مع العالم كما هو واضح حتى الآن، وبالذات في الأمور الأكثر إثارة للجدلية العالمية المعاصرة: أمريكا والعالم، وهي قضايا مهمة على نحو: الإرهاب، والاقتصاد، والبقاء في العراق، وتركه مضطربا، وكذلك في أفغانستان. هذا إضافة إلى القضية الأزلية في فلسطين.
ولهذه الأسباب الظاهرة أطرح تساؤلا لم أجد له إجابة حتى الآن.
ويختم د. الحمود حديثه بالقول: علام يراهن الإعلام العربي عندما يتدافع دون هوادة لتدويل مشروع الانتخابات الأمريكية؟
وبطريقة أخرى: من ذا الذي يعتقد أن مستقبل العمل الأمريكي القادم على المسرح العالمي خلال السنوات الأربع القادمة سيكون مختلفا تبعا لاختلاف شخص الرئيس؟
انعكاسات عالمية وإقليمية
* وسكب عبد الله بن سالم الزهراني بعض مداد القلم متحدثاً عن رؤيته تجاه الانتخابات الأمريكية فقال: ما إن يبدأ التحضير لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية حتى تبدأ حمى القيل والقال وكثرة السؤال عمن سيكون في البيت البيضاوي، وينشغل الرأي العام الأمريكي بالاستفتاءات التي تجريها المؤسسات الصحفية المختلفة وغيرها من مراكز الدراسات، إن كل مرة تبدأ فيها الانتخابات في تلك الدولة يتهيأ لمتابعيها إنها الانتخابات الأكثر جذبا للاهتمام، وعلى هذا الأساس تظهر لمعظم المتابعين في دول العالم هذه الانتخابات التي ستبدأ في الثاني من نوفمبر 2004م بأنها أهم انتخابات في تاريخ أمريكا، والحقيقة أنها ليست كذلك بل إنها انتخابات مشابهة لمعظم الانتخابات التي جرت في أمريكا منذ أول رئيس وحتى الآن الاختلاف الوحيد يكمن في التطورات الإجرائية والدعائية والاعلامية واستخدام التقنيات الحديثة في إدارة الانتخابات، إن ما جرى من أحداث داخلية في أمريكا منذ تولي الرئيس بوش الابن الرئاسة، وبالذات أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما قاد إليه ذلك من سياسة أمريكية خارجية هو الذي جعل لهذه الانتخابات نظرة تبدو مختلفة.
إن اللافت للانتباه دائماً في الانتخابات الأمريكية بشكل عام هو الحديث عن المرشحين للرئاسة الأمريكية كما هو حاصل هذه الأيام في كثرة الحديث عن بوش وكيري، وهذا يعني اختزال للسياسة الأمريكية وشخصنتها في شخصين اثنين، وكأن هذين الاثنين تتمثل فيهما كل الخطط والسياسات الأمريكية. والحقيقة أنهما ناطقان باسم السياسة الأمريكية لما يقرره حزب كل منهما من جانب، وما هو متعارف عليه بأنه ثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية من جانب آخر.. نسمع كثيراً ونقرأ كثيرا بأن هذا المرشح أو ذاك سيفعل كذا، وبأنه سيكون أسوأ رئيس أو أفضل رئيس لأمريكا، ونسمع بأن الكثيرين من الرؤساء ومن زعماء الدول يتمنى فوز مرشح على آخر بل وحتى كثير من الشعوب، وكل ذلك هو انعكاس لتصرفات الرئيس الموجود وردة فعل لتصريحات المرشح الآخر ديمقراطيا أو جمهوريا.
فكر واحد
من ناحيته يرى الدكتور عبدالعزيز داغستاني، رئيس دار الدراسات الاقتصادية، أن الانتخابات الأمريكية تحظى.. باهتمام غير عادي تجاوز حدود الناخب الأمريكي بسبب السيطرة الأمريكية الواضحة على قضايا العالم عقب انفلات القيود الدولية التي كانت تحجم الدور الأمريكي في العالم بعد أن انتهزت أحداث 11 سبتمبر مستثمرة لتلك الأحداث بشكل جعل أمريكا طرفاً في كل قضية دولية على كل المستويات الفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية.. هذه التغيرات أعطت الحكومة الأمريكية فرصة العمر لبسط نفوذها وفكرها على العالم وهو ما كان الرئيس بوش يهدف إليه وهو ما يتمشى مع فكره الديني المتطرف الذي ينحاز إلى اليمين بشكل سافر ولو تأملنا ما يطرحه الرئيس الأمريكي بوش ومنافسه السيناتور كيري من أفكار نجد أنهما لا يختلفان إذ ينطلقان من فكر مؤسسي واحد يعطي لأمريكا الحق في كل شيء حتى في تسيير أمور الشعوب الأخرى... على حسب القضية الفلسطينية، كمثال، فكلاهما يداهن النائب اليهودي ويرفع تبعته للوبي اليهودي ويرسم نفس الفكر والتوجه لقضية فلسطين.
وعلى صعيد الإرهاب فالأمر كذلك وإن كان الرئيس بوش قد استفاد من الشريط الأخير الذي بثته قناة الجزيرة للمارق أسامة بن لادن والذي كان بمثابة هدية الانتخابات للرئيس بوش، الأمر الذي يشكك في سلامة عقل أو نوايا أسامة بن لادن في المقام الأول.. وعلى الصعيد الاقتصادي فيبدو أن بوش يواجه مشكلة حقيقية فقد كان حجم الفائض في الموازنة الأمريكية 200 مليار دولار ووصل الأمر الآن إلى وجود عجز قدره 400 مليار دولار هذا بالإضافة إلى الدين العام وما يواجه الحكومة الأمريكية من نفقات إضافة إلى الإجراءات الأمنية الداخلية.. يبدو أن كيري سيستغل هذا الوضع الاقتصادي السيىء لصالحه.
النتيجة واحدة
من جانبه.. يرى د. علي بن شويل القرني، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة يشبهان بعضهما البعض إلى درجة كبيرة.. والاختلاف بينهما يعد في أفضل الحالات شكلياً.. ومنذ عام 1789م حيث شهد أول انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة، وحتى هذا الثلاثاء، والحزبان في صراعٍ وتنافس.. ولم يستطع حزب ثالث أن يقدم أي نوعٍ من المنافسة الجدية.. فهناك أحزاب مستقلة، ومرشحون مستقلون كُثر.. ولكن بدون أي نتيجة تغير من الواقع على الأرض.. ولهذا فإن التنافس بين الرئيس بوش مرشح الحزب الجمهوري وجان كيري مرشح الحزب الديمقراطي هو هامشي إلى درجة كبيرة.. وهو شبيه بالاختلاف بين من يقدم فاكهة في سلة أو على طبق.. أو من يعطيك ورقة بيمينه أو بشماله.. ففي النهاية المخرجات واحدة والنتيجة واحدة..
وبالنظر إلى الأجندة الانتخابية للحزبين ، نلاحظ اختلافات معينة، لكنها تظل شكلية.. وقد يلحظ الناخب الأمريكي اختلافات طفيفة بين البرنامجين الجمهوري والديمقراطي على الصعيد المحلي. ولكنه يظل ملتصقاً بالقيمة الوسطية للمجتمع الأمريكي.. أما على الصعيد الخارجي، فتنعدم تقريباً الاختلافات بينهما، ويصبحان مجرد صوتين يترددان في معزوفة واحدة كتبتها السياسة الخارجية الأمريكية.. والقرار الخارجي الأمريكي هو واحدٌ، سواء اتخذه بوش.. أو اتخذه كلينتون.. ولربما لو كان رئيس البيت الأبيض ديموقراطياً في أحداث 11 سبتمبر، لفعل ما فعله الرئيس الجمهوري بوش..
ولا يجب أن نعول كثيراً على الاختلافات الحزبية الأمريكية.. فكلاهما طريق واحد، مشروع واحد، ومصلحة واحدة.. والشرق الأوسط هو نموذج من النماذج التي تعكس انطباقاً إلى درجة كبيرة بين رؤى وفكر الحزبين.. وما زايد عليه الحزبان خلال الحملة الانتخابية على قضية الشرق الأوسط، ودعم إسرائيل هو انعكاسٌ واضح على هذا التطابق بين أجندة الحزبين.. وقد تعودنا نحن العرب والمسلمين أن نتحمس لدعم شخصٍ دون شخصٍ آخر.. ولكن اثبتت الأيام أن أي المرشحين الأمريكيين لم يخدما القضية الفلسطينية.. بل ساهم كل منهما في تكريس الوضع الاحتلالي القائم.. ورئيساً رئيساً بدأنا نفقد القناعة بأركان القضية.. وهذا هو هدفٌ مهم تلعبه السياسة الأمريكية في إخضاع الإرادة العربية لمنطق الواقع المتجذر..
الاقتصاد.. الاقتصاد
وشارك د. عبد الرحمن عبد الله العتيبي المدير التنفيذي والأمين العام للجمعية السعودية للإعلام والاتصال بهذه الرؤية حول استبيان الجزيرة وموضوع الانتخابات قائلا: بالاطلاع على المحاور الثمانية الخاصة بمرشحي الانتخابات في الولايات المتحدة والمطروحة للرأي، أرى أن الشعب الأمريكي (الناخبين) سوف يصوتون بناء على محور آخر غير موجود في القائمة، وهو الاقتصاد وقدرته على توليد الوظائف، وربما التعليم.. وهي قضايا داخلية ليست في صالح الرئيس الحالي جورج بوش. فالتصويت قد يكون في صالح جون كيري ليس لقوة شخصيته وتميزه في طرح القضايا.. وإنما لضعف جورج بوش في القضية الاقتصادية وهي قضية داخلية.
هذا بالاضافة إلى علاقات جورج بوش ونائبه المشبوهة مع أطراف خارج الولايات المتحدة لمصالح شخصية، كما أظهرتها بعض الكتب والأفلام خلال الصيف الماضي. وأعتقد أن القرارات المستقبلية بصرف النظر عن فوز أحد المرشحين هي في مصلحة أمريكا ودعم إسرائيل وتجريد العرب والمسلمين من أسلحتهم النووية بشكل أكبر بكثير من تجريد كوريا الشمالية من قدراتها النووية. فالأوْلَى للعرب والمسلمين عدم تعليق آمال كبيرة أو صغيرة على مَنْ سيفوز بالترشيح.. بل تسليح شعوبهم بالعلم وعدم استخدام الدين كسلاح يسيء للدين نفسه ويسيء لنا جميعاً.
|