ومعاذ الله أن نكون من المرجفين، فنتقول على غيرنا كل الأقاويل، أو أن نكون وجلين لا نحتمل النقد ولا المساءلة، أو أن نكون مسكونين بالأثرة، مقترفين لجريرة الإقصاء، لنستأثر بالمواقف كلها، بدافع التعصب المُعمي والمصمي، حتى لا نقدر على رؤية حق، ولا نتمكن من سماع رأي، وما احتدمت مشاعرنا، وما توترت أعصابنا إلا من بعد ما رأينا خلال الرماد وميض نار. فالمتابع للإعلام المقروء والمسموع والمرئي، والداخل على مراكز المعلومات، تخيفه الجرأة الوقحة على علماء الأمة ورواد الإصلاح وقادة الفكر، من مختلف المذاهب، ممن شهد لهم القائمون بالقسط من علماء معاصرين لهم أو تابعين لهم بإحسان. وإحالة التعديات السافرة على حرية التفكير، وحق التعبير، وحتمية التنوير خطأ في فهم الحرية ومقتضى التنوير، فالحرية لا تكون إلا بضوابطها، والتنوير لا يكون إلا في تجديد الدين. أما الأخذ بالمكتشفات والمخترعات وإعداد القوة الحسية والمعنوية والاستفادة من تجارب الأمم وطرائقها فإنما هو استجابة متأخرة لأمر الله وأمر رسوله، وفريضة غائبة بسبب سوء الفهم لمقاصد الإسلام، كما أن الحرية المنضبطة لا تعني إطلاق اليد واللسان فيما يعن، ولو أخذ المتحدثون بهذا المفهوم، لفسدت أمور الناس. ومن حق كل راصد لحراك المشاهد الفكرية والسياسية حريص على مصالح الأمة رؤوف رحيم بها أن يتعقب المتجرئين على يقينيات الحضارة وعلى ورثة الأنبياء، وأن يتعرف على المخبّلين والمسرعين خلال الأمة لزرع بذور الفتنة، لإماطة الأذى وإيقاف التدهور، والكشف عما يعتمل في نفوسهم من ضغائن. فما من ظاهرة فكرية أو موقف متكرر من قضية أو مذهب أو عالم إلا وتكون وراءها مقاصد مشبوهة وجهات خفية تؤز الخلاف، وتذكي الشكوك، وهي مكائد قد لا يعلمها المثيرون أنفسهم. وكم من أحداث سذج جرّت أقدامهم، وأغريت ألسنتهم، وزين لهم سوء أعمالهم، حتى رأوا حسنا ما ليس بالحسن، ومضوا فيه، وفي اعتقادهم أنهم سباقون لإنقاذ أمتهم من موارد الهلكة، وحقيقة الأمر أن ما يفعلونه عين الهلاك وحقيقة الضلال، وكم من مبتدئ تصور أن لا مكان له في المشاهد إلا بإثارة الزوابع، وتحشيد المشاعر، وما علم ذلك المسكين أن تعشقه للأضواء كتهافت الفراش على اللهب، والمتدافعون على بؤر التوتر، حين لا يؤخذ بحجزهم، ويؤطرون على الحق أطرا، يثيرون (الرأي العام)، أو يضلونه، وقد يفقدونه صوابه، ويجرون قدمه لفتنة عمياء، وليست الوحدة الفكرية بأقل أهمية من الوحدة الإقليمية، واستفزاز (الرأي العام) مسايرة للأعداء، واستجابة لضغائنهم، وهو في النهاية مؤذن بتصدع الوحدة الفكرية.
والباحث عن المعرفة وتحرير المسائل، وإحقاق الحق، وتنقية المسار من شوائب الفرقة، يجب عليه الا يخلط بين مقاصد المذهب وممارسة الاتباع. ذلك أن المذهب أي مذهب، لا يتحمل أي مقترف باسمه، لمجرد الادعاء. وكم من مفتين أو متصدين لأي ظاهرة يخفقون، أو يخطئون في فهم مقاصد مذهبهم ومواقفه من القضايا، ثم لا يتورعون من إحالة مواقفهم على قواعد مذهبهم وأصوله ومناهجه. وكم من متعصب متماكر يتصيد أخطاء الأتباع، لينال من قواعد المذهب وأصوله، والتربص مؤشر على فقد المصداقية، وضعف الأمانة والإيمان. والمنقب في كتب المذاهب والمناقب، يقف على مرافعات، يمدها التعصب، ويؤزها حسد العلماء وأثرتهم، ولكن ذلك كله جاء في أضيق نطاق، وفي زمن القوة والتآلف والازدهار، فاحتمله جسم الأمة، كما يحتمل البحر اللجي ما يلقى فيه، فيحوله إلى زبد يذهب جفاء. وفوق ذلك فالمتنازعون إذ ذاك يعملون لحساب الإسلام، وإن بدرت من بعضهم مخالفات، كشفها العلماء في وقتها، وأزالوا لبسها. أما جدل اليوم فمختلف جداً، إنه عمل غير صالح، والمشاهد الفكرية تموج بمثل أولئك الذين يفسدون باسم الإصلاح، ويدفعون بالناصحين المتألفين للقلوب إلى الوقوع في التنازع والتنابز والتدابر. وذوو الألباب ينظرون إلى الظروف والأوضاع، ولا يوغلون في التأزيم، وبخاصة حين تكون الغلبة لأعدائهم.
وإن تعجب فعجب ما يتداوله أبناء السلفية من قول، استمدوا وقوده من وقوعات تاريخية، أرادوا من استدعائها إدانة السلف الصالح، وفي الوقت ذاته عموا وصموا عما تفعله الحضارة المتعلمنة المتعولمة في ديار المسلمين من تقتيل وتشريد وهدم، وطمس للتاريخ وإلغاء للذاكرة، وعما يكتبه الساسة والمفكرون الغربيون من افتراءات، يتلقاها عرابات الحداثوية والعلمانية باليمين، ثم لا نجد أحداً من مروجي قالة السوء عن الإسلام وحملته من امتعض أو ثار أو تمعر وجهه من أجل الحق. ومن المثير للتساؤل مقابل هذا الصمت المريب، ما يتخذه أولئك الأبناء من أقوال علمائهم في قضايا (الفقه الأكبر) والذي عليه مدار الحياة تزلفاً وتملقاً وإرضاءً للأعداء. وكم يبَّيتون ما لا يرضي الله من القول. وقد يكون (شيخ الإسلام) الأكثر تداولاً على مختلف الصعد الإعلامية، فلقد تعمدوا تصيد أقواله المبتسرة من سياقها والمفصولة من أنساقها، لتكون وثائق إدانة، ولم يترددوا في دعم ملصقي الإرهاب بالإسلام بما توصل إليه علماؤنا من قبله ومن بعده في قضايا (الولاء) و (البراء) و (الجهاد) و (إظهار الدين) و (الحكم بما أنزل الله) و (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مما هو واجب الذين مكن الله لهم في الأرض، ولأن المصلحين والعلماء يحيلون إلى اختيارات (شيخ الإسلام)، ويسترفدون (مفرداته)، فقد وجد المغرضون أن إدانة هؤلاء، لا تتم إلا بنسف أصولهم، وقطع صلتهم بمرجعيتهم، وإذا كنا نمقت الغلو، وندين التطرف، ونبرأ من مفارقة الجماعة، ونرى عصمة الأنفس المسلمة والمعاهدة والذمية، ونحفل بالوسطية والرفق والتيسير، والتعايش، والاتقاء، والوفاء بالعهود والمواثيق، فإن طريق ذلك لا يكون بإدانة العلماء، ولا باتهام المذاهب، وإنما يكون بالمراجعة والتصحيح، ورد كل حدث إلى مُحدثه، وتقصي الظروف والملابسات.
وأعجب من هذا التحرك المنظم، والتشايل المشبوه بين بعض طوائف الأمة الإسلامية لاستعادة ما وسعته صفحات التاريخ، وطواه التقادم من خلافات في علم الأصول أو الفروع، وهي خلافات لها سياقاتها وأنساقها وظروفها، والأطراف المتجاذبة لها في الحكم يرد أمرهم إلى الله وإلى الرسول، وبخاصة ما كان (ابن تيمية) طرفاً فيه، سعياً من أولئك البرمين من قول الحق، ورغبة في مظاهرة المتقولين عليه، وافتراء القول بأنه بتصديه للملل والنحل المخالفة لمذهب السلف، يؤسس لإرهاب منظم، نام كما أهل الكهف في صفحات التاريخ، حتى أعثر الله عليه المحتقنين منه الناقمين عليه. ولم يكن هؤلاء بالمنصفين، فاستدعاء عالم أو مذهب للمساءلة، يلزم معه معرفة خطاب المذهب الآخر وأسلوب مواجهته لخصومه. ولو أن المستدعين (لابن تيمية) تساءلوا فيما بينهم: لماذا سجن وعذب، ولم يسجن خصومه؟ أليس ذلك مؤشر عنف أشد، وتسلط أعنف ومصادرة للحرية من جانب واحد. ولست أشك أن هذه الحملات الكلامية مكيدة حاذق، سربت خيوطها، ليأخذ بها المواطئون والجهلة، ويتحقق من وراء ذلك هدفان:
الأول: - تحميل (الفكر السياسي الإسلامي) مسؤولية ما يعانيه العالم من اضطراب في الأوضاع كافة.
الثاني: - تشكيك الأمة الإسلامية في علمائها الذين تركوا من ورائهم أصولاً وأحكاماً وآراء، لو ابتدرها من بعدهم، لكان أن تخطوا بأمتهم كل العوائق.
وحين يعزز المتهم بالإرهاب مقولة المدعي بالاعتراف، تتحقق مكائد الأعداء، لأن ذلك يشرعن لوحشيته الفاعلة ولتحريشه القاتل، ثم يكون بأس الأمة بينها شديد. ومتى ألهيت الأمة بالشقاق، أصبحت مهمة الأعداء مقتصرة على تغذية الخلاف، وجني الثمار.
وذلك ما نراه بادياً للعيان، فبأس الأمة بينها شديد، وما من متابع للصحف والمجلات وسائر الإذاعات والقنوات ومختلف المؤسسات إلا ويجدها تؤز الفتنة، وتحرش بين أبناء الملة الواحدة، وتهيئ الأجواء لعشاق الأضواء، ليتبادلوا الاتهامات فيما بينهم، والتنقيب في صفحات التاريخ. وما من حضارة إلا وينطوي تاريخها على فترات مُضيئة وأخرى منطفئة، وما عهدنا تلك الفئات سباقة إلى نقد الذات، ومساءلة المنجزات، والكف عما بدر بين علماء الأمة من خلافات طواها التاريخ، فتلك أمم قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وإذا لم يكن في الاستعادة جدوى، ولم يكن من إهمالها مضرة، فإن القول فيها مؤشر مكائد، أحكم صنعها الأعداء، وتطوع لتنفيذها المغفلون، واستخف بخطرها الجهلاء.
ولما كانت الأمة في حالة من الضعف الحسي والمعنوي، فإنها أحوج ما تكون إلى فترة نقاهة واستجمام، يتجه فيها الأبناء إلى المتفق عليه، ويدعون المختلف فيه. وماذا يفيدها حين يلتقي أبناؤها المنتمون إلى طوائفهم على مسمع ومرأى من أعدائهم في العقيدة، فيلعن بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً، تاركين المساحات المشتركة لمن يكيد لهم، ومن ذا الذي يسره أن يرى وسائل الإعلام سباقة إلى بؤر التوتر، تذكي أوارها، وتعيد مراحلها التاريخية المليئة بالشقاق والاختلاف، وإذا كانت فتراتها المنطوية مرت بها في زمن القوة والصدارة، فإن إعادتها في زمن الضعف والتخلف، مؤذن بفساد كبير. والذين ينقمون على (ابن تيمية) أو على تلميذه (ابن القيم) أو على (ابن عبدالوهاب) أو على أي عالم من علماء الأمة، من مفكرين ومصلحين ودعاة متقدمين أو متأخرين، ممن قالوا ما يعتقدون، وفندوا أقوال خصومهم، لا تراهم يستحضرون ما قيل بحقهم وحق العلماء الذين يأخذون عنهم، فإذا كفروا قولاً أو طائفة فإن غيرهم أعادوا الكرة عليهم، وحكموا عليهم بمثل قولهم، بل كفروا المذاهب التي ينتمون اليها، والعدل والإنصاف يقتضيان استحضار القول والقول المضاد، ليؤخذ كل مذهب بما اقترفت أيدي أصحابه، والعقل والحكمة يقتضيان الخلوص من نبش الماضي، والصواب تحامي الخلاف ما أمكن ذلك، إذ ما من أحد من العلماء إلا وله خلافاته مع لداته ومعاصريه من العلماء. والمنصفون لا يستدعون الخلاف لإذكاء المذهبية، وتصعيد التعصب، ومصلحة الأمة الآني في إرجاء تلك الخلافات، أو تركها للعلماء المشتغلين بها بعيداً عن وسائل الإعلام.
فالعلماء يحتملون الاشتغال في مثل ذلك، ويرونه طبعياً، أما إقحام الرأي العام، وتحشيد مشاعره فأمر مريب، ومن رغب الوقوف على التاريخ العلمي أو الفكري أو الحضاري للأمة فليطلبه في طيات الكتب وفي أروقة الجامعات، ثم ليدعه حيث هو، إذ الخروج به عن مضاميره تفريق وتصعيد لعداوات الأمة. وحين يكون الاختلاف في فترات الازدهار مؤشر ثراء معرفي يكون استحضاره اليوم للإدانة والإسقاط، ولم يكن (ابن تيمية) بدعاً من الأمر، فما قاله من آراء، وما اعتقده من أقوال سبقه إليها غيره، ولحق به من بعده، ولخصومه أقوال وعقائد لها وعليها فلماذا يتعالق أبناء السلفية السمحة مع غيرهم، ولا ينظرون إلى ما قيل في حق علمائهم وأصول مذاهبهم؟ وكان حقاً عليهم أن يقولوا لمن حولهم من المتعصبين لمذاهبهم والرامين لغيرهم بدائهم: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، نستعرض ما قاله كل عالم في خصومه، ثم نطويه، بوصفه وثائق تاريخية للحراك الفكري والعلمي، ونستأنف حواراً جديداً ينشد الوفاق، فإن لم يحصُل فلا أقل من التعاذر والتعايش، فما عاد الزمن قابلاً لإذكاء الخلاف، وإيغار الصدور. ولو أن الناقمين على الإسلام غفلوا عن (ابن تيمية) لما استدعته الألسنة والأقلام التي تمارس هدم كياناتها بأيديها، تاركة فرصة للشماتة والتشفي، وما من عاقل رشيد، يستسيغ ما يقال بحق علماء الأمة بشكل تعميمي وبأحكام مجازفة، كما لا يستساغ تحميل المذاهب الإسلامية جرائر الإرهاب الوحشي الذي لا تقره ديانة، ولا تحتمله إنسانية.
و (ابن تيمية) له رؤية: عقدية وفقهية، مارس حقه فيها، كأي عالم يخالفه في الرؤية، فلماذا يخص بالتجريح والتجريم، ولما تكن له أقوال مجتثة، وليست له مبادرات منفصلة عن أصول اعتقاد السلف الصالح، فما ذهب إليه منتج استقراء للنصوص، وفق أصول المذاهب السلفية وقواعدها التي ينتمي إليها، ووفق متطلبات المرحلة العصيبة التي عاشها، وما يقال عنه يمس السابقين واللاحقين والمتعقب لاختياراته في الفروع يجده محصلة لعالمين جليلين هما (ابن عبدالبر) و (ابن حزم) ومع اختلافه الواضح مع الظاهرية في الفروع والأصول، فإنه يترحم على ابن حزم، ولا يذكره إلا بكنيته، أما في الأصول فهو امتداد للمحدث والفقيه (أحمد بن حنبل)، والذين يختلفون معه من فلاسفة أو متكلمين أو طائفيين، يجب عليهم مساءلة المذهب الذي ينتمي إليه، والسعي لنقض قواعده وأصوله، ومتى استطاعوا نقض القواعد والأصول بحجة شرعية وقول محكم، سقط (ابن تيمية) ومن سبقه ومن لحق به، دون التنصيص عليه أو النيل منه، وإذا كانت الأحكام والآراء التي توصل إليها مناقضة لقواعد مذهبه وأصوله فإن علماء المذهب اللاحقين به، سيكونون الأسبق إلى الرد عليه ومساءلته، وهذا المحدث السلفي (ناصر الدين الألباني)- رحمه الله-، تعقب بعض كتب (ابن تيمية)، وتقصى أحاديثها، وفرق بين الصحيح والضعيف فيها، وما نقم عليه أحد، وما اتهمه أحد، ذلك أن الحق ضالة المؤمن، كما أنه تعقب بعض علماء الدعوة، واستدرك عليهم في الحديث والفقه وغيرهما، وما ثار أحد في وجهه، وما أحد من المعتدلين ادعى عصمة لعالم، ولا قطع بصحة قوله. ولقد أثر عن الشافعي أو عن غيره قوله:( إذا صح الحديث فهو مذهبي) وقوله أو قول غيره:( قولنا صدق يحتمل الكذب وقول غيرنا كذب يحتمل الصدق)، ومثل هذا القول وإن كان عليه ما عليه من التحفظ، يفتح الباب أمام المراجعة والمساءلة والنقد، ويستبعد العصمة التي يدعيها الجهلة والمقلدون وأنصاف المتعلمين.
ومما فات كل المتجادلين حول مسلمات (ابن تيمية) ، أنساقه وسياقاته، فالنسق المعرفي له، لا يمكن تصوره من تلك الابتسارات، ومواجهة (ابن تيمية) لا تكون بانتزاع الأقوال من سياقاتها وأنساقها، ذلك أنه يحيل إلى ضوابط وقواعد، وينطلق من ظروف خاصة، مسه فيها الضر، ومس أمته الهوان من (التتار)، والمبتسر يناقض الضوابط والقواعد وأدبيات الحوار، وليس من المعقول أن يناقض عالم مثل (ابن تيمية) مذهبه الذي يجالد ويجاهد من أجل إشاعته، فالذين يقولون إنه مجسم حشوي مكيف، وأنه ناصبي أو مبتدع، ثم يلتقطون جملة أو عبارة توهم بذلك، يرد ابتسارهم وقولهم إلى أصول مذهبه، الذي لا يرى التجسيم، ولا الحشوية، ولا التكييف، ولا التشبيه، ولا التعطيل، ولا يبتدع ولا يناصب آل البيت. والذين يجعلون أحكامه وفتاواه موطئة للإرهاب، لا ينظرون إلى ما لقيه شيخه أحمد بن حنبل من عنت وتسلط، ولم يكن منه إلا التسامح والدعاء لولي الأمر، وما لقيه (ابن تيمية) نفسه من نقد وظلم. ومن نسب إليه من أقوال يخالف فيها مذهب السلف فقد افترى عليه الكذب، والذين يقترفون العنف، ويوغلون في الدين بغير رفق، ويغلون في دينهم، ثم يبررون ما يذهبون إليه بقول (لابن تيمية)، يتحملون تصرفهم الخاطئ وإحالتهم الكاذبة. و (ابن تيمية) براء منهم ومن غلوهم، ولا يتحمل نتائج الفهم السقيم، ولم يكن وحده مجال الشجب والاتهام، ولكنه واحد ممن أسيء إليهم، واستدعاء القضايا والأناسي مما خلا، واستدبار النوازل مؤذن بتخلف فوق تخلف، ولقد نهينا عن الجدل العقيم، وعلى الذين اتخذوا الإثارة سبيلاً لتثبيت الأقدام، وتسويق الذوات في نخاسة الإعلام أن يلطفوا بأمتهم، وأن يرحموا ضعفها وهوانها على الناس، وأن يلتمسوا مصادر شهرتهم وكسبهم من مجالات أخرى، لا تعرض مثمنات الأمة للضياع، ولا تعرض الأمة للصَّغار.
|