المجتمع المحافظ (بصيغته السلبية) بطبعه يميل إلى تغطية عيوبه وتجاهل مشكلاته ويخفي الكثير من أخطائه، وذلك حتى لا يحصل خلل ما في مكانة أفراده وحتى لا تتأثر بنيته الاجتماعية، لأن المجتمعات المحافظة (بصيغتها السلبية المختلفة) تهتم كثيراً بالسمعة أكثر مما تهتم بعملية الحل والبناء.
الدراما تكشف العيوب وتعري الأفراد وتضع الناس أمام مشكلاتهم وجهاً لوجه، والمجتمع المحافظ بذلك الشكل لا يريد ذلك، يريد أن تبقى المشكلة تحت السجاد ليحلها مرور الزمن.
لذلك يثور المجتمع المحافظ ضد كل من يعري مشكلاته ويكشفها للناس، لأن ذلك يأتي ضد مبادئه التي تفضّل الصمت على المشكلة ليبقى في نظر الآخرين أنه مجتمع مثالي ولتبقى سمعته حسنة أمام الآخر.
فالدراما والمحافظة نقيضان.. هذا يكشف وذاك يخفي، والصراع الحاصل بينهما أمر متوقع وشيء طبيعي.
والزميل يحيى الأمير عندما كتب عن تأثير الصورة التلفزيونية في جريدة الرياض يوم الأربعاء الماضي في صفحة كاملة كان قد لفت انتباه الجميع إلى نظرة مختلفة حول الصراع الناشب بين الصورة التلفزيونية والرافضين لها، وتحديداً عندما يكون الرافضون مادة الصورة نفسها والمشاهدين لها في الوقت ذاته.
كان يجب أن يظهر هذا الموضوع في هذا الوقت ويتحدث عنه الزميل يحيى بتلك الرؤية البارعة التي فككت ذلك الحراك إلى بنى أكبر وبنى كبيرة وبنى أصغر وبنى صغيرة، الأمر الذي سهَّل مهمتنا في فهم خلفية تهديد مسلسل (الطريق إلى كابل) وتحريم (طاش ماطاش) تحديداً من بين كل المسلسلات والأفلام التي لا تخلو منها فضائية من فضائيات الكون.
فيما يبقى كتاب الدكتور - عبد الله الغذامي الأخير (الثقافة التلفزيونية.. سقوط النخبة وبروز الشعبي) كتاباً رائداً في مثل هذه التناولات التي ترصد علاقة الصورة بالناس، كأول كتاب يدخل في تلك المناطق المهملة نقداً وحديثاً ومكاشفة.
|