* كتب - محسن أحمد السبيعي:
ضيفنا - دون رتوش - شاب مثقف يحمل الماجستير في الاقتصاد مع هذه الدرجة العلمية الرفيعة على جانب كبير من الخلق والمثالية. عرف بالحيوية والنشاط يعمل الآن وكيلاً لإمارة منطقة الجوف دعوناه ليكون ضيفاً على صفحات الجريدة فكان كريماً ولبَّى هذه الدعوة.. وخرجت أخيراً.. عزيزي القارئ.. بهذا الحديث الشامل الذي أضعه أمامك لتعرف عمق وعي وإدراك سعادة الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن السديري.
* متى وأين كان مسقط رأسكم؟
- عام 1363هـ بالجوف.
* أين تلقيتهم دراساتكم وما هي المراحل الدراسية التي اجتزتموها؟
- الثانوية العامة حصلت عليها من كلية فيكتوريا بالمعادي عام 1962م البكالوريوس من جامعة اريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1966 ثم بدأت دراستي العليا في سبتمبر 1967م وحصلت على الماجستير في يناير 1969م من نفس الجامعة.
* ما هو مجال تخصصكم في الدراسة الجامعية وما هو موضوع رسالتكم لنيل درجة الماجستير؟
- مجال التخصص هو الاقتصاد وأنا لم أقدم رسالة لدرجة الماجستير.. حيث الإنسان في الجامعة المذكورة يخير بين طريقتين إما دراسة عادية على شكل محاضرات أو دراسة جزئية والجزء الآخر تكمله الرسالة.. وقد اخترت أولى الطريقتين.
* كطالب حصَّل العلم في الخارج يا ترى هل هناك فرق في مناهج وأسلوب الدراسة في الخارج عنها في بلادنا؟ وما هي أوجه الشبه والاختلاف؟
- أنا أصلاً لم أتلق العلم في بلادي هنا ولكن طريقة التعليم في أمريكا على وجه الخصوص تختلف عن الطريقة المتبعة في الشرق الأوسط وفي أوربا. حيث إن الدراسة في أمريكا (أعني المرحلة الجامعية) تعتمد على طريقة الساعات وهم يرسمون للطالب مرحلته الدراسية بالنسبة للمواد ولكنه مخير في اتباعها من عدمه.. ويمكن للطالب أن يختار المحاضرات التي تطلب منه حسب رأيه في الترتيب طبعاً شريطة اتمامه للمطلوب ولكن على الترتيب الذي يراه وهذه الطريقة تعطي فرصة للمجتهد في أن يسرع ويختصر مدته الدراسية وأما المهمل فعليه السلام.
* ما هي الأشياء التي أعجبتم بها في الخارج وتتمنون لو تحققت في بلادنا؟
- القيم والروابط العائلية لا يوجد مثلهما في غير بلادنا ولكني أحسد أهل البلاد المتقدمة وأخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية على تقيدهم بالنظام ودأبهم على العمل والكفاح. فقد أصبح النظام جزءاً من تصرفاتهم كما يحترم الكثير منهم ويقدر مكانة الدولة ووجوب التساعد معها في الحييلولة دون إشغالها بالتوافه بالإضافة إلى شعورهم بالمسؤولية تجاهها عن طريق دفع الضرائب وأسوق لكم مثالاً واقعياً.. وهو أنني أثناء دراستي كنت أقوم بعمل بعض البحوث الصغيرة والتقارير واستعين بسيدة تطبع تلك التقارير وهي تعمل في بيتها لتتساعد مع زوجها في الدخل وعندما تنتهي التقارير تعطيني إيصالاً بالمبلغ وأنا بدوري ادفع المستحق لها.. وعندما استمر تعاملي معها طويلاً رأيت أنه لا داعي للايصالات فقد أصبحت الثقة متبادلة بيننا.. فقلت لها.. لا داعي لأن تقابليني بالايصالات نظير حسابات التقارير لأن الثقة هي فوق كل شيء.. فأجابت: بأن الايصالات أصلاً لم يكن هدفها الثقة من عدمها.. فالثقة موجودة ولكن القصد منها أنها تساعدني على حفظ حساباتي حتى أعرف المستحق منها للضرائب. فقلت لها ولكن ما الذي يدري جباة الضرائب عن مقدار دخلك فأنت لستِ موظفة تتلقين راتباً مقطوعاً من جهة معتبرة يمكنهم معرفة مقداره ومحاسبتك عليه فإنتِ تعملين في بيتك ولا رقيب على ما يدخل عليك من ريع.. فقالت بتحمس ولكن لن يقبل ضميري ذلك لأن عقلي لا يؤمن به.. لأنني أشعر بأن قطر مع قطر يكون مستنقعاً وان أنا تقاعست وتقاعس الآخرون فإن النتيجة ستكون ضعفاً في موارد الدولة وبالتالي ضعفاً في إنتاجها ونحن بالتالي المستفيديون من إنتاج الدولة. فهي التي تخطط لتطوير البلدة وتحافظ على الأمن الداخلي وتدفع عنا الآخرين. ويمكنك أن تستخلص من هذه القصة الأشياء التي أتمنى لو تبناها المواطن هنا.
* بم تنصح أبناءنا الذين ينون مواصلة دراساتهم هناك؟
- الوقت من ذهب وكلما ثابر الطالب كلما تمكن من العودة إلى بلاده سريعاً ليؤدي واجبها وواجب ذويه ومواطنيه.. لذا أنصحهم بالمثابرة والاجتهاد.
* من أي زاوية تنظر إلى الوظيفة الحكومية؟
- الوظيفة الحكومية اعتبرها وسيلة لا هدف فهي وسيلة لخدمة الوطن. والموظف الحكومي بنظري خادماً لا سيداً ويجب أن ينظر إلى وظيفته من هذه الزاوية حتى يستطيع أن يخدم مجتمعه ووطنه.
* أول ما يلفت نظر القادم إلى سكاكا لوحات الدعاية عن جمعية تحسين المنطقة فهل لكم أن تعطوا القارئ فكرة عن هذه المجمعية من حيث الأهداف ورأس المال ومجالات النشاط الذي يمارس؟
- هي لجنة تحسين منطقة الجوف.. وقد تأسست في أواخر عام 1388 وهي تتكون من تسعة أعضاء ووجدت لتعنى بالتخطيط المحلي أما أهدافها فهي خلق جو من التعاون والتكاتف الأفقي بين الدوائر الحكومية المحلية المختلفة لتلافي المتناقضات والتكرار للوصول إلى أقصى ما يمكن من التقدم الاقتصادي في حدود الإمكانات المتوافرة وأن تكون اللجنة بمثابة جسر للمعلومات بين السكان بالمناطق المحلية وجهات الاختصاص المركزية تترجم احتياجاتهم ومطالبهم كما أن اللجنة تسعى إلى تشجيع الادخار وتوجيهه للاستثمار.
بخلق الجو الملائم كما وأنها تقوم بمحاولة التغلب على العوائق البشرية والمعني بذلك هو محاولة جانب أولئك الناس (الذين لا يوفقون في إدراك ما يمكن تحقيقه كنتيجة للإيجابية الفردية وبالتالي التعاون الجماعي) في داخل الصورة. وهدف اللجنة هو القضاء على الانعزالية والسلبية والتي تعتبر ظاهرة واضحة ومن معيقات المسيرة الحثيثة إلى التقدم. ويأتي ذلك بتبيان الفرص وبالتالي توطيد الثقة في نفوسهم للمثابرة بالدخول في المشاريع الخاصة المختلفة.
وقد تمكنت اللجنة من تحقيق بعض النجاح في هذا المجال ألا وهو كسب ثقة نسبة من مواطني هذه المنطقة ولا شك سينير لها الطريق.
وقد باشرت اللجنة في دراسة أوضاع البلدة وقد عمدت إلى تخطيطها وإيجاد الحلول لمشاكل بارزة ومشاكل قد تبرز بعد للحيلولة دون وقوعها بقدر المستطاع. ثم باشرت في تحسين وتجميل بعض مدن المنطقة.. ورغبة في إشراك المواطن في مثل هذه النهضة انشئ صندوق للجنة تجمع له التبرعات وقد كان تجاوب المواطن هنا مقبولاً في بادئ الأمر وظل يتحسن مع ازدياد ثقته بأعمال اللجنة وأهدافها ونتوقع أن يزداد هذا الدعم مع الوقت إن شاء الله.
* ما هي بنظركم صفات المواطن الصالح وما هي سبل إصلاح وتقويم المواطن الطالح؟
- المواطن الصالح هو ذالك الذي يغار على بلده الأم ومجتمعه الصغير تماماً كما يغار على بيته وأولاده ويحرص على تربيتهم وراحتهم.. فيجب إذاً أن يرتفع لمستوى المسؤولية ويتفادى ما قد يؤدي إلى الإساءة للمجتمع أما المواطن الطالح هو ذالك الذي يركز كل جهده على إظهار مثالب الآخرين بالنقد اللاذع دون أن ينظر قبل إلى نفسه ويصلح عيوبه فذاك الذي بيته من زجاج يجب ألا يرمي الآخرين بالحجارة.
* نجاح الجمعية التعاونية بمنطقة الجوف حديث الناس هنا فهل لنا أن نأخذ فكرة موجزة عن نشأة وأهداف الجمعية؟
- الجمعية التعاونية بدأت عام 1382 كفكرة لإقامة مشروع كهرباء بمدينة سكاكا. وقد بدأ الفكرة سعادة أمير منطقة الجوف عبدالرحمن السديري وسعى لايجادها فتم جمع مبلغ (مائة وثمانية وأربعين ألف ريال) وهذا المبلغ لم يكن كافيا لإقامة مثل ذلك المشروع وبالوقت الذي كانت عملية الترويج للمشروع قائمة فقد كانت هناك اتصالات من قبل الإماراة بمقام وزارة الداخلية والتي وافقت أن تكون مدينة سكاكا من ضمن مشاريع كهرباء المدن السبعة والتي تم تنفيذه كما تعرف. عندها كان لابد من توجيه ما جمع من الأموال إلى حقل انمائي يفيد المنطقة وأهلها فوقع الاختيار على جمعية تعاونية متعددة الأغراض فانتخب مجلس لإداراتها يرأسه سعادة أمير المنطقة وسجلت لدى مقام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبدأت الجمعية إنفاذ مشاريعها كإنشاء مزرعة لترتبية الدواجن على أرض منحها للمشروع سعادة أمير المنطقة وإنشاء فرعين للجمعية إحداهما يهتم بتوزيع منتجات المزرعة من بيض وطيور لاحمة وما أشبه ذلك والآخر بالإضافة لما سبق يتخصص في بيع المواتير والمضخات وقطع الغيار الزراعية والمواد الزراعية كالبذور والأسمدة والمبيدات كذلك مواد السباكة المختلفة بالإضافة إلى البدء في تنفيذ مشروع الألبان حيث أقيمت المباني الخاصة بالمشروع وتم استيراد أبقار هولندية ونحن في البداية رغم أنها لا تسد الطلبات المتكثرة على الحليب يقدر إنتاجها في العام حوالي ألف كيلو جرام من الحليب الطازج وفي النية التوسع في هذا المجال مع توفر الإمكانات ولكن القيام مع القدرة.
أما أهداف الجمعية فهي لا تخفى على أحد وهو يظهر من مشاريعها ألا وهي تأمين الاحتياجات الضرورية للمدينة وللرفع من مستواها الصحي بإيجاد المواد الضرورية لصحة المواطن كالبيض والدجاج والحليب وقد زاد رأس مال الجمعية من 148.000 ريال عام 1385هـ إلى (698.350) ريالاً عام 90-1391هـ .
* هل في النية توسيع خدمات الجمعية مستقبلاً وكيف سيكون ذلك؟
- نعم في النية توسيع أعمالها وخاصة في مجال تربية الطيور البياضة وإنتاج الحليب كذلك بالنية إنشاء بقالة حديثة وفرن اتوماتيكي بالإضافة إلى المشاركة في دراسة تسويق إنتاج البلح من المنطقة.
* وماذا عن اليد العاملة في المنطقة بعد افتتاح مركز التدريب المهني فيها؟
- اليد العاملة الموجودة بالمنطقة كلها أجنبية ومعظمها مستواه دون المستويات المطلوبة ولا شك أن افتتاح المركز بفروعه الأربعة التجارة، الكهرباء، وميكانيكا السيارات سيكون له أكبر الأثر وهناك حقيقة يجب إدراكها بأن من أهم الأسباب التي تحد من النمو الاقتصادي بالمملكة عامة يعود لعدم وجود العمال المدربين والقوة العمالية التي يمكنها تحمل أعباء المسؤولية في الدولة الناشئة وربما عاد جزء من السبب إلى الأفكار السائدة بين المواطنين والتي بلا شك مبنية على أسس خاطئة وهي التي تحتقر الأعمال اليدوية الصناعية ويكتفون بالقدر القليل من الدخل ويفضلون الراحة معها على الأعمال التي تحتاج إلى مجهود أكبر وتأتي بريع أكثر. وهذه الظاهرة تنخفض شدتها في المناطق التي تدرك أهمية الصناعة ومنها منطقة الجوف وأهلها الذين يجزمون بأن هذه الأعمال تزيد الإنسان شرفاً واحتراماً وتمكنه من خدمة وطنه واستبدال جهود الأجنبي بجهوده.
* هل تعاني المنطقة من غلاء المهور؟ وإذا كان كذلك فما هو الحل في نظركم؟
- غلاء المهور مشكلة عامة في المملكة بكاملها ونصيبنا منها كبير كبير والمفروض أن ولي أمر المرأة يفهم بأن زوج ابنته وأخته أصبح جزءاً منه وبقدر ما يثقل على الزوج الجديد بقدر ما ستشعر الزوجة بهذا الثقل.. لذلك المفروض أن يزوجوهم ويعينوهم.
والحل طبعاً سيأتي مع ارتفاع مستوى المفاهيم.
* في مجال الحياة العامة بمن تأثرتم ومن هو مثلكم الأعلى في ذلك؟
- مثلى الأعلى هو والدي عبد الرحمن بن أحمد السديري وهو الشخص الذي تأثرت به لبعد نظره ودماثة خلقه، ومن أفضل النصائح التي تكرم بها هو قوله بأنه يجب على الإنسان أن يحتفظ بتوازنه وألا يتقلب مع الرياح وبتوضيح ذلك فإن الإنسان يجب أن يكون على وتيرة واحدة فلا يسرف بالغضب ولا بالمحبة.. فإن غضب عليه أحد فيجب أن لا يشاطره الشعور بل يتركه حتى يعود إلى رشده ويعرف الصائبة من العائبة ويجب على الإنسان أن لا يقيس عمله بشعوره الخاص فإن غضب على شخص تحداه وان استر من آخر شمله برعايته فهذه ليست بالصيغة المستحبة.
* ما الذي يعجبك في الحياة وفي الناس وما الذي لا يعجبك؟
- الحياة جميلة إذا بنيت على حسن النية وصفائها والناس يعجبني بهم المنتج الذي يتابع عمله بدافع نفسه وضميره ولا خشية الملامة أو العقاب كما تعجبني الصراحة والصدق والتآلف وحسن النية.
ولا يعجبني النفاق وسوء النية والنميمة كما أخص الناس السابق ذكرهم الذين يبنون قصورهم على خرائب الآخرين وأعني بذلك النقاد الذين يعدلون المائل ويميلون العدل في الآخرين دون التفاتة منهم إلى أنفسهم وتفرغهم لتعديل مائلهم قبل الشروع بإصلاح الآخرين.
* هل أنت سعيد وما هو تعريف السعادة في نظرك؟
- تعريف السعادة صعب للغاية.. لأن السعادة يختلف معاناها باختلاف معرفتها والسعادة بنظري تحقق بتحقيق الشروط الثلاثة الآتية:
1- قبل كل شيء المحافظة على الأمانة مع الله سبحانه وتعالى.
2- إنعام الله على الإنسان برضاء الوالدين.
3- ارتياح الضمير من حيث العمل في الحياة العامة.
ولأني أشعر بأنني محافظ عليهن - أعني هذه الشروط - فإنني سعيد والحمد الله.
* هل تردد حكمة أو قولاً مأثوراً وما هو؟
- اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
* وأخيراً ما هي أمنيتك في الحياة؟
- أمنيتي في الحياة أن أوفق في الحصول على رضاء الوالدين وأن يهديني الله اتباع ملته وأن يحفظ الله الإسلام وينصره وأن أرى بلادي في صفوف البلاد المتطورة مع احتفاظها بتقاليدها العريقة.
|