د. وائل سلمون :
إن الكائن البشري ليجد عظمة الله - عز وجل - خالق هذا الكون عندما يتبصر في كل جزء من أجزاء هذا الكون الفسيح بما في ذلك جسد الإنسان نفسه، فكل عضو من أعضاء الجسم له وظيفته وفيزيولوجيته التي تؤكد عظمة هذا الخلق الإلهي، فإذا اختل أي عنصر من عناصر البناء التشريحي في هذا العضو يؤدي ذلك لخلل في فيزيولوجية ووظيفة هذا العضو؛ ما يترتب عن ذلك من أمراض واختلاطات قد تضرّ بصحة الإنسان وتؤثر على حياته في المستقبل.
ومن هذه الأعضاء النبيلة في جسم الإنسان الذكر الخصية التي قد تتعرض لما يسمى الدوالي أو دوالي الحبل المنوي. هذا العضو الذي جعل الله سر الحياة وتناسل البشر بواسطته حيث تقوم الخصية بإنتاج الحيوانات المنوية التي تخرج من الخصية ثم تختزن في البربخ ليتم نضجها وتصبح قادرة على الإلقاح، ومن ثم تنتقل إلى القناة الناقلة للنطاف (الأسهر) ليصار قذفها للخارج أثناء العلاقة الجنسية، كما أن الخصية مسؤولة عن إنتاج الهرمون الذكري (التستوستيرون) المسؤول عن الصفات الذكورية.
ولمعرفة كيف تحدث الإصابة بدوالي الخصية أو دوالي الحبل المنوي يؤكد د. وائل سلمون إخصائي المسالك البولية في مستشفى الحمادي في الرياض أن الخصية كغيرها من أعضاء الجسم لها تروية شريانية وتصريف وريدي، والأوردة الخصوية تقوم بنزح الدم من الخصية، وتبدأ دورتها في كيس الصفن كأوردة صغيرة متعددة لتتحد في وريد واحد أو أكثر ضمن ما يعرف بالقناة الإربية، وبعد ذلك في وريد واحد أكبر هو الوريد المنوي الباطن الذي يصب في الوريد الكلوي الأيسر بالنسبة للخصية اليسرى، وفي الوريد الأجوف السفلي بالنسبة للخصية اليمنى. وهذه الأوردة الخصوية كغيرها من الأوردة في الجسم تسمح للدم الوريدي بالنزح من الخصية دون العودة إليها، وذلك بسبب وجود دسامات متعددة على مسار الوريد تنغلق هذه الدسامات بعد مرور دفعة من الدم، ولا تسمح له بالعودة للخلف باتجاه الخصية.
ويضيف د. وائل سلمون: تبدأ الإصابة بالدوالي عندما تصاب هذه الدسامات بخلل أو قصور في وظيفتها؛ فلا تستطيع منع الدم الوريدي من العودة إلى الخصية؛ وبالتالي تتوسع شبكة الأوردة الخصوية حول الخصية داخل كيس الصفن وتتعرج ويصبح هناك ركودة وريدية وهذا ما يسمى دوالي الحبل المنوي أو دوالي الخصية؛ حيث يشعر المريض بالأوردة المتوسعة داخل كيس الصفن على شكل كتلة لينة طرية القوام تزداد وضوحا مع الوقوف والحركة والمشي، كما أن المريض قد يشعر بآلام أو انزعاج في نصف الصفن المصاب بالدوالي ولا سيما بعد الوقوف المديد أو الاحتقان الجنسي، والأخطر من ذلك أن الدوالي قد تكون سبباً لعدم الإنجاب عند الرجال المتزوجين، وقد تبلغ نسبة ذلك حوالي 40% حيث يراجع المريض بشكوى العقم، ويكتشف بالفحص السريري أن دوالي الحبل المنوي هي السبب في ذلك.
أما عن الآلية التي تؤدي بها الدوالي للعقم فيوجزها د. سلمون في أن توسع وتعرج الأوردة الخصوية حول الخصية يؤدي إلى ارتفاع في درجة حرارة الخصية إلى مثل درجة حرارة الدم الوريدي وهي 37 درجة مئوية أي بزيادة درجة مئوية واحدة عن درجة حرارة الصفن الطبيعية وهو ما يؤذي عمل الخلايا المنتجة للنطاف ويؤثر عليها، ويؤدي لنقص في عدد الحيوانات المنوية وضعف في حركتها حتى أنه أحيانا قد يسبب ما يسمى AZOSPERMIA أو انعدام النطاف. كما أن الدم الوريدي الراجع في حالة الدوالي اليسرى يحتوي على بعض السموم والمتقلبات الكيميائية العائدة من غدة الكظر ومن الكلية اليسرى، (هو ما يؤثر) وهذا يمارس تأثيرا سميا على الخلايا المنتجة للنطاف ويضعف من إنتاجها، وفضلا عن كل ذلك فإن الاضطراب في الدوران الدموي الشعري داخل الخصية بسبب تأذي العود الوريدي والركودة الوريدية الدموية قد يؤدي لضمور في الخصية، وهناك حالات عديدة من ضمور الخصية بسبب دوالي المنوي؛ لذلك فإن دوالي الحبل المنوي آفة مضرة بالخصية ومؤذية لإنتاج النطاف ويجب علاجها مبكرا.
وحول الطريقة المثلى للعلاج يؤكد إخصائي المسالك البولية في مستشفى الحمادي في الرياض د. وائل سلمون على أهمية ونجاح العلاج بإجراء استئصال دوالي الحبل المنوي، ويتم ذلك بإجراء شق صغير في الناحية الإربية وعزل الوريد المنوي، الباطن وربطه ثم قطعه. مشيراً إلى أن العمل الجراحي عامة لا ينجم عنه أي اختلاطات إذا أجري بأيد خبيرة، والحمد لله لقد تم إجراء المئات من هذا النوع من العمل الجراحي في مستشفى الحمادي وكانت النتائج باهرة وممتازة سواء من حيث تحسن الأعراض أو زيادة نسبة الإنجاب عند هؤلاء المرضى. والتشخيص عادة سهل بإجراء الفحص السريري والتصوير بالأمواج فوق الصوتية لكيس الصفن، وقد تحتاج أحيانا لإجراء تصوير بالدوبلر لمعرفة إذا كان هناك دوالي تحت سريرية؛ أي لا يمكن تشخيصها بالفحص السريري، وقد تكون مسؤولة عن بعض حالات العقم.
|