منذ منتصف القرن الماضي بدأت الدول العربية في بذل جهود حثيثة في مواجهة مشكلة الأمية من خلال تشكيل مؤسسات إقليمية ومحلية، وبعقد العديد من المؤتمرات المحلية والمشاركة في مؤتمرات دولية وإصدار استراتيجيتين الأولى لمحو الأمية والثانية اتخذت تعليم الكبار عنواناً لها. كما أصدرت معظم الدول العربية تشريعات وقوانين للتخلص من الأمية وقامت بعض الدول العربية بإعداد كتب خاصة لمحو أمية الكبار وغير ذلك من الجهود. ذكرت ذلك دراسة حول مؤشرات التنمية وخطط تعليم الكبار في الوطن العربي.
وأضافت الدراسة أن هذه الجهود حققت بعض النجاحات في ضوء الإمكانات التي أتيحت لها واستطاعت بعض الدول تحقيق معدلات عالية من القرائية وبات يطلق عليها دول الوفرة في القرائية.
وعلى الرغم من كل هذا فإن الجهود المبذولة ركزت على محو أمية الكبار وبصورة تقليدية نمطية حيث الكتب موحدة بصرف النظر عن النوع أو المنطقة الجغرافية التي يعيش فيها الفرد مما أدى إلى ارتفاع معدلات الهدر في العملية التعليمية وأن من يواصل المسيرة ويحصل على الشهادة يعتبر ذلك بمثابة نهاية المطاف، حيث تتاح له الوظيفة أو العمل الحر.
وتذكر الدراسة أن نسبة كبيرة ممن حصلوا على شهادة محو الأمية يرتدون مرة أخرى إلى الأمية، ويعزى ذلك لعدة عوامل منها اعتقاد البعض منهم أن الغاية من الالتحاق ببرامج محو الأمية الحصول على شهادة تؤهله لدخول سوق العمل أو لعدم وجود أنظمة واضحة المعالم للتعليم الموازي أو لتعلم مهارات حياتية. وتشير الدراسة إلى انه يمكن القول إن هناك نسبتين للأمية في كل دولة الأولى نسبة ظاهرية تشير إلى الأعداد المتبقية من الأميين الذين لم يحصلوا على شهادات تفيد محو أميتهم، أما الثانية نسبة حقيقية وهي عبارة عن النسبة الظاهرية مضافاً إليها المرتدين إلى الأمية نتيجة عدم حصولهم على برامج لتعزيز القرائية في مرحلة ما بعد الأمية مهما كان نوعها ومحتواها ومستواها.
ولمواجهة هذه الإشكاليات وغيرها ولتدعيم القرائية لدى الكبار فإن الأمر يتطلب ضرورة التفكير في مداخل مستحدثة لمحو أمية الكبار، وأن مرحلة الامية تمثل الحلقة الأضعف في محو أمية الكبار وهذا يتطلب وجود أنظمة واضحة للتعليم الموازي بعد الحصول على شهادة محو الأمية لمن يرغب في مواصلة التعليم أو إتاحة الفرصة لتعليم مهارات حياتية بمفهومها الواسع سواء أكانت نظرية أو عملية. وعلى الله الاتكال.
|