بقدر ما كشف مؤتمر المثقفين عن حبهم لوطنهم ودفاعهم عن أمنه ووحدته وهذا ما ورد ضمن البيان الختامي لمؤتمرهم الذي تنادوا للحضور إليه باعتباره مؤتمراً وطنياً ثقافياً تاريخياً آملين أن يكون فتحاً جديداً يوصلهم إلى ما يطمحون إليه فبعد أن كانوا يرفعون مطالباتهم على (أعمدة) و(زوايا) الصحف تسنى لهم أن يقولوها وجهاً لوجه مع المسؤولين عن الثقافة! إلا أن المؤتمر كشف أيضاً ان ناتجنا المحلي من المثقفين يعتبر أقل من امكانياتنا الحقيقية!! وهذا يعني أن خطوط الانتاج الثقافية لم تكن تعمل بالدرجة الكافية ولهذا فلم تنتج الاحتياج الفعلي مما أظهر عجزاً في بعض ملامح مسيرتنا الثقافية لابد من مواجهته!
فنياً المؤتمر أرسل رسالة في نهايته مفادها انه لا يوجد إلا عبد الله وناصر هذا الثنائي الذي لا ثالث لهما إلا راشد وهم من (أفضل نجوم المسرح الحاضرين الغائبين)!! عندما استدعاهم ليقدموا مشهداً مسرحياً قصيراً على انه كان من الأفضل تقديم عرض مسرحي متكامل ليشاهده المثقفون الذين لم يحضروا قط مسرحية سعودية بينما في المؤتمرات والمهرجانات يسابقون المسرحيين للحديث عن المسرح وأهميته وانهم يذوبون فيه عشقاً وهياماً! (وكل يدعي وصلاً بليلى)!!
كنت أتمنى ان يكون المسرح حاضراً ليس بذلك المشهد القصير الذي يبدو انه تم التفكير فيه على عجل ونفذ بصورة أكثر استعجالا، أتمنى ألا تكون تلك هي المساحة والنظرة المستقبلية التي سيحظى بها المسرح في خطط وزارة الثقافة مستقبلاً! نريد أن يتغير الوضع المسرحي المحبط الذي لازم الحركة المسرحية في الفترة السابقة! ولن تتغير الصورة إلا بتغيير نوعية الكاميرا لتتطور وتصبح من نوع (ديجتال) بالاضافة إلى تغيير المصور الذي يقف خلفها، أعني أن يتم تغيير جذري في الوضع المسرحي السائد بدون ذلك سيكون كأنك (يا أبو زيد ما غزيت) ولن تنفع أية ترميمات!!
المشهد المسرحي الذي قدمه الثلاثة وبمشاركة المسرحي الموهوب حبيب الحبيب والذي اختتم به المؤتمر كان يمكن تقديم الأفضل منه من ناحية المضمون والأسلوب الفني ليتناسب مع الحدث الكبير فبمقدور الممثلين وكاتب المشهد تقديم الأفضل باعتبارهم محترفين ليأتي العمل بصورة أقل مباشرة وبدون تلك الجدية في الطرح لكن يبدو أن عامل الوقت تدخل في غير صالح العمل! وزارة الثقافة والاعلام كأنها تعترف انه عندما أرادت أن تختتم المؤتمر بفقرة مسرحية لم تجد سوى عددا محدودا من الممثلين يمكن أن يضعوا اطارا للصورة الجميلة التي خرج بها المؤتمر وهذا يؤكد ما يتردد حول الأزمة المسرحية، فبعد كل هذه السنوات تكون الحصيلة عددا قليلا من المبدعين في المسرح باعتراف وزارة الثقافة والإعلام!! إذاً فماذا ستفعل الوزارة مستقبلاً لتنتج للوطن عددا أكبر من المثقفين والمسرحيين يمثلون ثقل المملكة العربي والدولي؟!! هل هذا وضع مسرحي يرضيهم؟. لا أظن ذلك!
انها حقيقة واحدة عن وضعنا المسرحي تم الكشف عنها في مناسبة واحدة!
ماذا لو كان لدينا عدد من المناسبات؟! سؤال موجه للوزارة وللجنة الاستشارية وللدكتور منصور الحازمي الذي أدار ندوة المسرح وصرح في بدايتها انه لم يحضر مسرحية سعودية قط، ثم أردف أنه لا داعي للمسرح في زمن الفضائيات والانترنت!! أعتقد أنه كان يمزح!! فعندما سمعه صاحبي همس لي قائلاً: هل هي زلة لسان؟ قلت له: لا انه فقط يريد ان يستثير همم المسرحيين! وقلت له أيضاً: أنا أعذر الدكتور منصور فهو ليس المثقف الوحيد الذي لم يحضر مسرحية قط! للأسف الشديد فمسرحنا الثلاثيني لم ينتج في مسيرته الا عددا من الأسماء فكيف سننشط المرحلة المسرحية القادمة إذا كانت قادمة فعلاً كما يأمل المسرحيون!! وبعد أن انفض المؤتمر لا مجال الا لرفع توصيات لكن لابد من القول ان صناعة النجوم (في كل أصناف الثقافة) ثروة وطنية من الضروري العمل على تنميتها كما في كل بلاد العالم فلنفكر من الآن في كل أدوات المرحلة القادمة، فمسرحياً لدينا الكثير من العناصر المؤهلة في جميع أنحاء المملكة لكنها تحتاج ان تتاح لها الفرصة لتعبر عن مواهبها وتخدم مجتمعها عبر مراكز مسرحية حقيقية تنتج المسرح ولا شيء غير المسرح..
لقد جاءت التوصيات متفائلة وطموحة إلا فيما يتعلق بموضوع الترميم فلدي تحفظ دائماً على أعمال الترميم لأنها متعبة وتثير الغبار ولا تعطي النتائج المتوقعة.. والآن بعد ان عاد الجميع إلى بيوتهم جاءت مرحلة انتظار (القرارات) التاريخية والحاسمة التي ستصدرها وزارة الثقافة والاعلام فالمؤتمر سيقاس نجاحه عبر قراراته التي يمكن أن تنفذ فالكل شخص الحالة التي يعاني منها جسد الثقافة والكل أكدوا انها تحتاج إلى جراحة عاجلة يقوم فيها المتخصصون بعملية (استئصال وزراعة) وهي عملية مزدوجة ولكنها ليست خطرة ومشكلتها تكمن في ان تكاليفها مرتفعة وتحتاج إلى اطباء مهرة!
|