أسر إليّ صديق ذات يوم (نبأً) لم آمر به، ولم يسْعدني قائلاً إن هناك منْ يهجُوني سراً وعَلَناً.
* قلت لمحدثي: إنني لا أملك ردْعَ أحدٍ من الناس عن الحديث عني.. بما يسُوءني، فلستُ محصّناً من الخطأ ولن أكون!
* فقال: لكنني أعلم أنّ ما قيل عنك باطل لا حقّ فيه، ولذا، دافعتُ عنك دفاعَ الحق بما أعلمُه لا بما أظنّه!.
* فقلت: إنْ كان ما قاله لك هذا المخلوقُ حقاً، فتلكَ نصيحة كنت أتمنى أن أسمعها منه لا من سواه، وإنْ كان باطلاً، فتلكَ غيبة.. وأنا الفائز في كلا الحالين!
**
* قال: كيف؟
* فقلت: إنْ كان ما قالهَ صاحبُك حقاً.. فأرجُو أن يكونَ (هجاؤُه) تبصيراً لي بعيبٍ فأجتنبه.. أو تنبيهاً لي بنقيصةٍ.. فأَطّهّرَ منها.. وإنْ كان ما قاله باطلاً، فأرجو الله أن يتُوبَ عليه.. أو يهبَني أجرَه!
**
* قال: وهل يعلمُ هو أنك تعلم ما قَاله عنْك؟
* قلت: لا عِلمَ لي بهذا، وكنْت أتمنَّى أن تطرحَ على نفسِك هذا السؤالَ!
وفي كل الأحوال: لا يهمّني شخصياً إنْ كان هو يدْري أو لا يدْري، فهو خصم نفسه.. وهو حكَمُها.. ما دام قد نصَّبهَا طرفاً في قضيةٍ.. هو البادئُ بها، والبادئُ بالظُّلمِ أظْلمُ! إنْ كان ما قاله عني ظُلماً!
**
* فقال: هل يمكن أن تفصحَ لي عما تعني؟
* فقلت: بدءاً، أنتَ الذي (نَقَل) لي النبأَ، مما يجعلُك أعلم به منَّي، زمَاناً ومكاناً وظرفاً وغايةً.
ثانياً: كنتُ أتمنَّى ألاّ يبلغني النبأُ عَبْر (وسيط)، وأن يفَاتحني مَنْ هجاني بالأمر مباشرةً، فإمّا اعْتبرتُ، وإما اعْتذَرْتُ وإما عَاتَبتُ، أو لذْتُ بصبرٍ يعْصمُني من الكلام!
ومن يدري.. فعلّه هو ضَحيةُ غيبة نَقلَها له ذُو قَلبٍ مريض ليفْسِدَ ما بيني وبينه، وفي هذا الحال، كلانا مظْلوُم! وأستشْهدُ في هذا المقام بقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الآية).
**
* قال: فما (حكمُك) إذنْ على مَنْ هجاك!
* قلت: أولاً: لن أبادله هجواً بمثْله، فأكونَ له نِّداً في الفعل وشَريكاً في الوزْر!
ثانياً: لستُ معصُوماً من الخطأ كي أطلبَ من الناس أن يْعقِلوُا ألسنتَهم أو يصدُّوا أقلامهَم عن نقْدي، فكلُّ البشر خطَّاءُون، وخيرُهم التوابُون، والتوبةُ تعني في أحسن الأحوال الاعترافَ بالخطأ، والعزمَ على اجتنابه، وأرجُو أن يكونَ لي من نفسي رادع كي لا يفترسَ لحمي هذا (المخلوقُ) أو سواه، ومتى ما فعلتُ ذلك.. فلن يضيرني أن ينعقَ بوم أو ينهقَ صاحبُ (شَرِّ الأصوات) ففي الإيمان بالله أولاً ثم نَقاء الوجْدان وثَباتِ الثّقة درب الخلاَص من فتْنة الانْشِغال المحْمُوم بشؤون الناس (قولاً وقِيلاً).. وما ينفثونه من حلوِ الكلام أو مرِّه، سراً كان ذلك أو علانية، والله وحده المستعان.
|