في مثل هذا اليوم من عام 1923 أعلن المجلس الوطني في الدولة العثمانية أن البلاد أصبحت جمهورية تستمد كيانها من الشعب وانتخب أتاتورك رئيسا للجمهورية التركية.
تعد دولة الخلافة العثمانية ظاهرة تاريخية فريدة، فهي من أبرز الدول العالمية في التاريخ؛ فقد شغلت حيزًا كبيرًا من الزمان والمكان، إذ عاشت أكثر من ستة قرون، وامتدت رقعتها الجغرافية إلى آسيا وأوروبا وإفريقيا، وكانت جيوشها أكثر جيوش العالم عددًا وأحسنها تدريبًا وتسليحًا وتنظيمًا، فقد عبرت جيوش هذه الدولة الفتية البحر من الأناضول إلى جنوبي شرق ووسط أوروبا، وفتحت بلاد اليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا والمجر ورودس وكريت وقبرص وألبانيا حتى بلغت مشارف فيينا - عاصمة النمسا - وجنوبي إيطاليا؛ فكانت أول دولة إسلامية تصل إلى هذا العمق في الأرض الأوروبية.
وكان هذا الانتشار الواسع للدولة العثمانية وتهديدها للمسيحية في عقر دارها سببًا قويًا في عداء أوروبا المسيحية لها، وسعيها الدءوب لتقويض أركانها، وهدم بنيانها الشامخ، فقامت ضدها الأحلاف والتكتلات المسيحية في حروب كان النصر فيها حليف الدولة العثمانية في أغلب الأحيان، غير أن عوامل الضعف والتآكل بدأت تضرب في الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف، فكان سقوطها في الداخل المرحلة الأولى لسقوطها وزوال خلافتها حيث ضعفت عسكريًا أمام روسيا القيصرية، حتى أطلق عليها القيصر الروسي (نيقولا الأولى) لقب (رجل أوروبا المريض)، وأصبحت مطمعًا للدول الاستعمارية الكبرى: بريطانيا وفرنسا وروسيا.
ولم يدخر الغرب في معركته ضد الخلافة سلاحًا إلا استخدمه، بدءًا من الإرساليات التبشيرية والغزو الفكري، وإشعال الثورات والفتن الطائفية والمذهبية، واصطناع الجواسيس والأعوان وشراء الذمم بالمال، حتى تم تقويض الخلافة على يد مصطفى كمال.
كان السلطان عبد الحميد الثاني يقف عقبة كؤودا أمام الأطماع الأوربية في تفتيت الدولة العثمانية، والأطماع الصهيونية في فلسطين، ونجحت المكائد والدسائس في إبعاده عن الخلافة سنة 1909 بالتعاون مع حزب الاتحاد والترقي، وهو أول حزب سياسي ظهر في الدولة العثمانية وأصبح هذا الحزب هو صاحب السلطة الحقيقية في الدولة العثمانية، وكان معظم أعضائه من الماسونيين، وكان ضباط الجيش التركي هم أبرز الاتحاديين وعلى رأسهم مصطفى كمال.
وقد تولى الخلافة بعد خلع عبد الحميد أخاه الأمير رشاد الذي تسمى بمحمد الخامس، وكان في الرابعة والستين من عمره، وكانت الدولة والعرش العثماني نفسه في حالة احتضار، لكن الدولة كانت متماسكة إلا حد ما، وخضع السلطان للاتحاديين الذين سعوا إلى أن يستقر الحكم في قبضتهم، ولكن تطلعاتهم لم تتحقق، إذ واجهتهم معارضة شديدة من الرأي العام، تدعو إلى دعم حقوق الخلافة، وتعديل الدستور لتحقيق هذا الهدف.
|