Saturday 30th October,200411720العددالسبت 16 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الطبية"

إضاءة إضاءة
رمضانيات
د. محمد غياث التركماني*

مازلت أذكر تلك الرحلة اليومية التي كنت أجول فيها بمطبخ والدتي قبل الإفطار بعشر دقائق في أيام شهر رمضان المبارك. كان القصد أن أشم رائحة الطعام محاولاً أن أتعرف على نوع الأطعمة التي ستقدمها لنا الوالدة - أطال الله في عمرها - على مائدة الإفطار ذلك اليوم. وحتى إذا ما فشلت حاسة الشم عندي في سبر نوع الأطعمة رحت أفتح أغطية القدور لأطمئن أن الطعام اليوم مناسب لرغباتي. فأرمقه بنظرة حادة ثم أدعك أسناني بأسناني وكلي أمل أن يكون وقت الإفطار أقرب عندي من أي شيء آخر. ولم تكن عملية فتح الأغطية عن القدور بتلك السهولة المعروفة؛ فكانت أصابعي تتألم من شدة الحرارة، وكثيراً ما ينتهي الأمر بحروق صغيرة وفقاعات على تلك الأصابع. ومع هذا فإن تلك الفقاعات والحروق المتكررة لم تقف يوماً رادعاً في كبح جماح غزواتي اليومية على مطبخ والدتي.
ثم أرتد مبتعداً عن المطبخ بخطى بطيئة جداً جداً، وكثيراً ما كان ابتعادي عن المطبخ يرافقه استنكار شديد لما شاهدت أو تحسست؛ فالطعام لم يشبع بعد رغباتي ونزواتي. فأنا أريد ألواناً متعددة من الطعام، لا صنفاً واحداً أو صنفين كما أعدت لنا سيدة البيت الأولى. وكثيراً ما كان والدي يتدخل ليهدئ من روعي ويذكرني أن رمضان ليس لملء البطون وانتباج الكروش، وإنما هو ركن من أركان الإسلام وفيه الكثير الكثير من المعاني الإيمانية. فالجوع في رمضان هو درس لنا ليذكرنا بالفقراء الذين يعيشون الجوع كل أشهر السنة ويدفعنا أكثر للتفكير بهؤلاء الناس لمد يد العون والمساعدة لهم.
اليوم بقي مضمون رمضان كما هو عند الناس كافة. شهر الصوم والخير والبركة والرحمة والمغفرة والعتق من النار. لكن أصاب الناس في شهر رمضان موضات وصرعات جديدة.. فقد غدت (السمبوسة) و(الكنافة) و(القطايف) مظاهر أساسية ومميزة لموائد رمضان، وصار من المعيب أن ترى مائدة بلا (سمبوسة).. وتهافت الناس عليها، فهم يقفون بالطوابير انتظاراً لهذه العجينة المستطيلة العجيبة.
ووجد القائمون على القنوات الفضائية سوقاً رائجة في رمضان. فإحدى القنوات تطلب منك ألا تخرج من البيت وأن تتسمر لرؤية برامجها.. وأخرى أعدت لك سبع مسلسلات دفعة واحدة. ناهيك عن برامج المسابقات والرقص والغناء.. وفوق كل هذا اختلفت مطالب المرضى هذا العام عن العام السابق. لماذا ؟... لأن أنوف وشفاه وخدود الفنانات هذا العام أخذت شكلاً مختلفاً عما شاهدناه في السنة الماضية، ولهذا كان لابد من مجاراة واقع الموضة التي اشتهرت بها تلك الفنانات في هذه المسلسلات!!.
أرجوكم أيها السادة أن تحافظوا على المعنى الحقيقي لشهر الصوم، وأن تكثروا من التضرع إلى الله (جل جلاله) ليغمرنا برحمته التي وسعت كل شيء، وأن تتركوا هذه الترهات والتفاهات جانباً.
وختاماً.. أستودعكم الله بهذا البيت الشعري، وكل رمضان وأنتم بخير:


إذا كان رب البيت بالدف ضارباً
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

* عيادات ديرما - الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved