تحدث الأخ سليمان العقيلي، بحرقة ظاهرة في مقاله الذي نشرته الجزيرة في عددها رقم (11701) وكان محور حديثه يدور حول المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، التي انتقدها الكثير من الكتاب، ومنهم الاستاذ عبدالله بن بخيت في زاويته الشهيرة يارا قبل سنتين تقريباً، وكنت قد نويت الكتابة عنها، حيث ان لي العديد من الزملاء ممن ينضوون تحت لوائها، وقد سمعت منهم شيئاً مقارباً لما ذكره الاخ سليمان، الذي ذكر في مقاله معلومة ان صحّت، فقد قامت الحجة على المؤسسة العامة، وليس لها عذر بعد اليوم، حيث ذكر ان هناك ثمانية مليارات ريال سعودي، ستنفقها المؤسسة على برامجها في السنوات الخمس المقبلة، ومن وجهة نظري الخاصة، اعتقد انه لابد ان يواكب هذا المستوى العالي من الانفاق، برامج واضحة ومحددة ومعلنة للجميع، ولابد ان يوازيه تطوير شامل لكل المرافق والكوادر، ولابد ان يرافقه تلمس لحاجات اهم عنصر تقوم عليه المؤسسة - ألا وهو المعلم- الذي لابد من النظر في تحقيق طلباته ورغباته، وتقبل ملاحظاته ومقترحاته، والنظر كذلك في معاناته ان وجدت، خاصة انه هو العماد الذي تقوم عليه كل برامج المؤسسة، واذا لم يوفر لهذا العماد التشجيع والحوافز التي تسنده وتعضده، فإنه لا فائدة ترجى من انفاق هذه المليارات الثمانية.
وان كان لي من كلمة، فهي من القلب اقدمها للقائمين على شؤون المؤسسة العامة لا ابتغي بها شيئاً من زوائل الدنيا، وهي ضرورة الاستماع الى مطالب وحاجات هؤلاء المعلمين، فالجرائد في السنوات القليلة الماضية، كانت مليئة بالكثير من المقالات الصحفية، التي كلها تشير الى شكوى عامة من معلمي المؤسسة، وتشير كذلك الى انهم لم يجدوا الأذن التي تصغي اليهم، وفي كل الاحوال هم معذورون فهم بشر يحتاجون الى من يستمع اليهم، حيث امضى البعض منهم سنوات طويلة، وهو على مستوى أقل مما يستحق- كثالث مثلاً- والذي يزيدهم ألماً وحسرة انهم يرون غيرهم ممن لا يختلف عنهم بشيء، يعين على المستوى الرابع والخامس، اما هم فمحرومون من ذلك رغم سنوات الانتظار المملة.
هؤلاء المعلمون الصابرون، يحتاجون يداً حانية من الإدارة الجديدة للمؤسسة، حيث الكثير منهم يشتكون، من ان معاناتهم ابتدأت عندما تسلمت الإدارة الجديدة مهام المؤسسة، حيث ذكر البعض منهم، انه منذ ذلك الوقت لم يتم تعديل مستوى أي معلم، رغم توفر الشواغر، ورغم ان الإدارة الجديدة لها أكثر من خمس سنوات.
أفلا يحتاج مثل هؤلاء الى من يخفف عنهم معاناتهم، أو على الاقل يشرح لهم السبب الذي جعل غيرهم من المعينين الجدد يتجاوزهم، وهم في مكانهم لم يتزحزحوا عنه منذ سنوات، فإن كانت اللائحة هي السبب، فلابد من وضع النقط على الحروف، ليتضح ذلك لهم ولمن سيأتي بعدهم، بدل ان تكون الامور غير واضحة، مما يتسبب في ارباك الجميع واحراجهم، فالحقيقة وان كانت مرة إلا انها تظل افضل من البحث عن الماء وسط بحرٍ من السراب، خاصة ان البعض منهم ضحى بالعمل في وزارة التربية والتعليم، بحثاً عن الأمل المنشود، إلا انه وجد العكس، حيث جمدته المؤسسة العامة، في قالبٍ من الثلج على مستوى واحد لسنوات طويلة، ودون ان تمنحه بارقة امل في تعديل قريب لمستواه، كما فوتت عليه فرصة العمل في مكان قريب من منزله، لو اتجه للعمل في وزارة التربية، فأصبح حاله كحال معيّد القريتين.
معلم في مهب الريح
لم يمض على زواجه سوى بضعة اسابيع، وكان قبل ذلك قد تقدم بطلب للعمل كمعلم في المؤسسة العامة للتعليم الفني، فتم قبول طلبه وكان تعيينه في محافظة القطيف، وكانت زوجته تعمل معلمة في احدى مدارس قريته الوادعة، فكان عليه ان يتركها في منزل والديه، وبعد مضي عام كامل، نقل الى نجران التي رغب ان ينقل زوجته اليها، الا انه خشي ان يتم نقله، فتحدث الكارثة في حال لم يستطع نقلها الى مكانه الجديد، فآثر مبدأ السلامة، فترك الأمور على حالها، ولم تمض بضعة اشهر الا وتم نقله الى محافظة الخرج التي تبعد عن مدينته الصغيرة (150) كيلومترا، فكان الخيار الوحيد المتاح له، هو قطع هذه المسافة يومياً، في سبيل ان يجد شيئاً من الاستقرار مع زوجته التي مضى على زواجهما سنتان، دون ان يظللهما سكن واحد سوى في الاجازات، وكما هي عادته في كل سنة، فقد تم نقله الى محافظة الأفلاج، ولا يدري أين ستكون وجهته الجديدة. أفلا يستحق هذا وأمثاله الى ان ينظر في حالهم، وان يقدروا التقدير الذي يستحقونه، فغيرهم في قطاعات اخرى، مدرسته بجانب منزله ويحصل على كامل حقوقه، وهذا وأمثاله محرومون من أبسط حقوقهم، ولتصور معاناتهم فليتخيل الواحد منا، انه امضى سنوات طويلة دون ترقية في عمله، وزملاؤه في الدوائر الحكومية الاخرى، البعض منهم تجاوزه والبعض الاخر لحقه، وهو مكانك راوح. والله من وراء القصد.
علي بن زيد القرون
حوطة بني تميم |