تتجلى عظمة دين الإسلام الذي جاء به كل الأنبياء والرسل عليهم السلام، واكتمل، وتم تمامه من الله عز وجل ببعثة آخر الأنبياء وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - (إن الدين عند الله الإسلام)، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
أقول: تتجلى عظمة هذا الدين في مراعاته حقوق الناس جميعاً ذكوراً وإناثاً وتجاوز ذلك إلى رعاية حقوق المخلوقات الأخرى من حيوان وشجر وغيرها، وتتجلى عظمته - أيضاً - في كمال شرعه وتمامه وصلاحيته لكل زمان ومكان، وعدم وجود خلل أو نقص فيه، ونزاهة أحكامه، وسلامتها من الميول والأهواء البشرية، لأنها منزلة من الله العليم بخلقه، المحيط بأحوالهم وما يناسبها من الأحكام والتعليمات والتشريع.
إن المتأمل لما أمر به الإسلام من رعاية حقوق النساء، وما شرع من أحكام منصفة لهن وللرجال، يدرك جانباً من جوانب عظمة هذا الدين، الذي يضع الأمور في نصابها الصحيح، بعيداً عن رغبات البشر الشخصية وأهوائهم، وعدم إلمامهم بكل ما يتناولونه من القضايا إلماماً شاملاً كاملاً.
إن جميع ما نراه ونسمعه ونقرأه من حديث المنظمات الدولية عن المرأة وحقوقها لا يسلم من ثغرات في القرارات والتوصيات تنحرف بالموضوع عن طريقه الصحيح، ولو أن البشر أعادوا شؤون الحياة كلها إلى ما شرع الخالق المحيط بكل شيء، ولم يخرجوا باجتهاداتهم عن دائرة الشرع الحكيم الواسعة، لما ألقوا بالمجتمعات البشرية عامة، والمرأة بصفة خاصة في مهاوي الانحراف المؤلم الذي تحميه قوانين البشر المصبوغة بالأهواء والمصالح الوقتية.
كنت أتأمل قول الله تعالى:
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} يا له من نص قرآني كريم معجز جامع مانع.
يذكر ابن كثير - رحمه الله - سبباً لنزول هذه الآية يؤكد لنا جانب شمولية أحكام الإسلام واحاطة رب العالمين بطبائع خلقه وحاجاتهم مما يخفى على أقرب الناس إليهم.
يروي السبب معقل بن يسار فيخبرنا أنه زوَّج أخته جمل بنت يسار من أبي البداح، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انتهت عدتها، فهويها وهويته، ثم جاء خاطباً لها، فقال له أخوها معقل: يا لكع، أكرمتك بها، وزوجتكها فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبداً، قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إليه، فأنزل هذه الآية متضمنة هذا الحكم الشرعي الذي ينهى عن عضل النساء ومنعهن مما تميل إليه نفوسهن وتهواه قلوبهن من أزواجهن فلما سمع معقل بن يسار الآية قال: سمع لربي وطاعة، ثم دعا أبا البداح، وقال له: أزوجك أختي وأكرمك، وأكفر عن يميني.
أرأيتم - أيها الأحبة - هذا الشرع الحكيم، وهذا القرآن العظيم الذي يحتاج منا إلى التدبر والتأمل حتى نعرف قيمته وقدره.
إنه علاج ناجع لقضية اجتماعية حققت للرجل المحب والمرأة المحبة ما أرضى نفسيهما وفقما شرع الله سبحانه وتعالى.
والآية الكريمة تحمل عدداً من الأمور المهمة فهي تشير إلى حالة من حالات العلاقات الزوجية ألا وهي الخلاف والطلاق الرجعي، وتشير إلى عدة المطلقة طلاقاً رجعياً وإمكان مراجعة زوجها لها في العدة، فإذا مضت العدة، وتبعتها نفسه لأنه يحبها، وتبعته نفسها لأنها تحبه فلا مانع من زواجهما بعقد جديد ومهر جديد احتراماً للحب الناشئ بينهما، وهنا نهى الله سبحانه وتعالى أولياء النساء أن يعضلوهن بمنعهن من الزواج بأزواجهن (إذا تراضوا بينهم بالمعروف) وتشير الآية كذلك إلى أن الذي يتعظ وينقاد لأمر الله إنما هم المؤمنون بالله واليوم الآخر، الذين لا يغلبون آراءهم الخاصة على شرع الله، وتوضح أن هذا الانقياد لأمر الله هو الأزكى والأطهر للإنسان ثم تلفت الآية الكريمة النظر إلى شيء مهم يجب ألا يغيب عن بالنا لحظة واحدة ألا وهو
{وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
فهذا معقل بن يسار حينما أقسم ألا يزوج أخته مرة أخرى من أبي البداح، لم يكن مطلعاً على ما في قلبها نحوه وما في قلبه نحوها، وإنما المطلع على ذلك هو الله وحده.
يا ليت من تاه من بعض مثقفي ومفكري المسلمين في متاهات النظريات البشرية ذات البريق الكاذب، يعودون إلى نصاعة بيان القرآن الكريم، وعدالة أحكامه وشموليتها.
إشارة:
إنه الإسلام ميزان لنا
فبه يظهر للناس الصواب |
|