الطفل عادة يتَّكل على والديه..
هما من يغذيانه، ويبدِّلان أثوابه، ويحضِّران احتياجاته، بل يتكلَّمان عنه ويعبِّران!! ومثل هذا الطفل يتعوَّد عليهما، فينشأ يتَّكل على زميله، وصاحبه، ورفيق عمله، ومن ثمَّ زوجه، وأخيه... و... و...
ولا يقف الاتِّكال عند حدود الأمور الماديَّة من تناول أو استلام أو حركة، بل يتخطَّى الأمر إلى إيقاظه للعمل، وحجز مواعيده عند الطَّبيب، وتمثيله في مواقف المشاركة الاجتماعيَّة، ليس بين الأهل بل في محيطه الخاص...، ولا يقف الاتِّكال به عند حدوده هذه بل يتخطَّى إلى الحديث بلسانه، والتَّعبير عنه...، وهو عندما تتحقَّق له كلُّ هذه (الخَدمات) المجانيَّة لا يشعر بمسخ شخصيته، وفراغها من الدَّور إلاّ في حالة واحدة هي عندما يتعرَّض لأيِّ حرج فإنّ شخصية مثل هذه قادرة على قلب المجنِّ على ظهره!!، أو القِدْر على وجهه!!... وقد يلحق بالشخصية (الفدائيَّة) التي تقف له في كلِّ موقف شيئاً من الأذى اللَّفظي أو قد يتخطَّى إلى ما هو أكبر وأشدّ إيلاماً...
مثل هذه الشخصيات موجودة وبكثرة في عددها، وبوفرة في نمطها، والأشدَّ حرجاً حين تكون هذه الشخصيات تتَّكل على سواها في حصد الأخبار، ومعرفة المعلومات، واستقاء المعارف، وتكوين الخبرات...، فهي عند ذلك تعجز في المواقف المحرجة عن الخلوص من شرك الحيرة والارتباك إلى أن يصل بها الأمر إلى المواجهة المكشوفة فتخور أو تبور، أو على نفسها تدور حين لا تكون تدري عن صحة ما تقول، أو صدق ما تتحدث عنه، أو سلامة ما سمعته وأخذت في طرحه، أو مصداقية وشفافية ما علمت وتبدَّت في إظهاره.
ثقافة الاتِّكال كان يُبرِّر لها بين صغار السِّن...
وأصبحت سلوكاً مقيداً بضرورة تعويد النَّشء على الاتِّكال على أنفسهم وتدريب مهاراتهم وصقل ملكاتهم بدءاً بالحوار النافع في مراتع الخبرات المبكر في المؤسسات التعليميَّة، وانتهاء بالتربية والتَّنشئة على أيدي والدين يُفترض فيهما مع تبدُّلات الحياة أنَّهما قادران على فعل تكوين الشخصية بحيث تنشأ مستقلَّة معتمدة على ذاتها ذات كفاءة في تكوين ثقافتها والقيام بأدوارها وتمثيل مواقفها.. لكن، لا نزال نجد ذوي الثقافات الاتِّكالية في مجالسنا، وعند حواراتنا، وبين من يكتبون، وبين من يتقلَّدون الأدوار لا نزال نجد من يتَّكل على من يقول له فيصدق، ومن يحلِّل أمامه فيثق،ومن يتبنَّى له موقفاً فيتَّبع،ومن يشير إليه فيسير... تلك مطبَّات، حين يقع فيها يفقد قناعة الآخرين، بل ثقتهم...!
|