قرأت بشيء من الدهشة التقرير الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود الذي وضع حرية الصحافة في المملكة في ذيل القائمة العربية.
من الصعب معرفة المعايير التي يبنى عليها مثل هذا التقرير، وبصفتي من الذين عاشوا حياة الصحافة السعودية منذ أكثر من ثلاثين سنة أستطيع ان ادعي دون احساس بالذنب أن الصحافة السعودية حققت تقدما ملموسا في مجال حرية الرأي في السنوات القليلة الماضية، صحيح ان حرية الرأي في بلادنا لم تتسع بعد لطموحات الكتاب والصحفيين السعوديين خصوصا حقوق التنوع الثقافي والفكري، ولكن من المبشر أن المؤشر يسير في صعود مستمر مع بعض الاضطرابات والتباطؤ بين فترة وأخرى.
في إطار المقارنة بين المملكة وبعض الدول العربية لا يمكن أن يضع أي منصف المملكة في مرتبة متدنية إلى هذه الدرجة، هناك دول عربية تعيش حالة مزرية في مجال حقوق الرأي وحقوق الإنسان، تعتبر المملكة بالنسبة لها بريطانيا، ومع ذلك وضعها التقرير متقدمة على المملكة.
إذا نظرنا إلى التقرير من هذه الزاوية لابد أن نسأل: من هم الذين وضعوا التقرير وما هي معاييرهم؟ الإجابة عن هذا السؤال ربما تمثل أحد المداخل الرئيسية لفهم جانب كبير من المسألة، فهذه نقطة مهمة جداً البحث فيها -حسب وجهة نظري- سيفتح ملفا طالما سكتنا عنه وما زلنا نتجاهل مخاطر وجوده. ثقافة توفر الأجوبة قبل طرح الأسئلة أعفتنا من اجراء بحوث ومراجعات تاريخية لو أجريت لوفرت علينا كثيرا من المشاكل الاستراتيجية التي نعاني منها اليوم.
لا أظن أن الفرنسيين هم الذين يقومون بمراجعة الصحف والنشرات العربية وقراءة الحريات فيها، فهم بالتأكيد يستعينون بمجموعة من الخبراء والمثقفين العرب للقيام بهذه المهمة. ما هو دور هؤلاء المثقفين والخبراء العرب في صياغة هذا التقرير وخروجه بهذه النتيجة؟
منذ أن بدأت الطفرة في السبعينات الميلادية من القرن الماضي ونحن نردد على معظم الأصعدة أننا محسودون، تردد هذا الموقف على ألسنة كثير من المسؤولين وبعض الكتاب حتى أضحى من بديهيات القول في المملكة، وفي الوقت نفسه لم أسمع أي اشارة إلى الجهة الحاسدة لنا، إذا كنا محسودين فمن هم الحساد؟ العالم بأسره؟! هل اليابانيون يحسودننا؟ هل الفنلدنيون يحسدوننا؟
لم تترجم هذه الكلمة إلى اللغة الانجليزية ولا أظنها ترجمت إلى أي لغة أجنبية أخرى، لم أقرأها في التصريحات التي يطلقها المثقفون والمسؤولون السعوديون على المستوى الدولي، وهذا الموقف موقف (يحسدوننا) لم ينشط وحده بل صاحبه على مدى عقود موقف آخر ارتكز على مصطلح آخر لا يقل تضليلا عنه وهو مصطلح (خصوصيتنا) تآخى هذان الاتجاهان في أدبيات الإعلام السعودي على مدى عقود حتى شكلا ثقافة وهوية وموقفا تجاه الداخل وتجاه الخارج، ولأنهما لم يترجما إلى اللغات الأجنبية ولم يصدرا إلى خارج الثقافة العربية فقد بدا أنهما موجهان إلى الآخر العربي، فلنا خصوصيتنا أمام الاخوة العرب ونحن محسودون مع اخواننا العرب.لا أحتاج إلى تفكير طويل لأصل إلى أن مخترع حكاية (محسودين) هو المنتفخ النفطي ومخترع (خصوصيتنا) هو المتزمت الديني.
هذا التقرير المجحف في حق المملكة جاء نتيجة تآخي الانتفاخ النفطي مع التحجر أو الجهل الديني.
فاكس 4702164
|