Saturday 30th October,200411720العددالسبت 16 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

الصحافة الأمريكية أعطت وجهاً خاطئاً للحملة الانتخابية الصحافة الأمريكية أعطت وجهاً خاطئاً للحملة الانتخابية
أوجه الشبه والاختلاف بين الرئيس بوش وجون كيري

الكتاب :John F. Kerry : L'homme qui veut arrêter Bush
جون كيري: الرجل الذي يريد إيقاف بوش
المؤلف : Pierre Alexandre
الناشر:Anne Carrière Document- octobre2004
كيف يمكن الفصل بين مرشح ومرشح آخر في دولة كالولايات المتحدة الأمريكية؟ بل كيف يمكن التفريق بين هذا وذاك، ليس على أساس الخطاب السياسي البراغماتي أو الكارزماتي أساساً، بل على أساس معطيات من الواقع نفسه.
ومن الصعب القول مثلاً: إن جاك شيراك هو خليفة شارل ديغول، ولكننا نقول فقط: إن جاك شيراك استغل بذكاء أخطاء شارل ديغول ليصبح إصلاحياً بطريقة أقل ما يمكن وصفها بأنها تكنوقراطية إلى حد كبير، هذا ما يحدث في الولايات المتحدة، جورج بوش الذي استطاع أن يكسب (ضغينة العالم) بما اقترفه ضد الدول المستضعفة، لم يخرج من الحملة الانتخابية الحالية خاسراً، على الرغم من كل ما يقال عنه في الصحف الأمريكية نفسها التي صارت تشعر ببعض الميل ل(جون كيري)، بينما الصحف الأوروبية تعد (كيري) الرجل الذي سيقطع على بوش طريق البيت الأبيض.
ومن الناحية النظرية يجب القول: إن كل الإعلام يسير في نفس السياق السياسي، أي إدانة جورج بوش، والتهليل (لجون كيري)، بيد أن معظم المعلقين الدوليين يلاحظون تفوقاً طفيفاً لجون كيري، الذي هو مرشحهم المفضل، بحيث إن كل شيء يمشي وكأن معرفتهم بالمنظومة الانتخابية الأمريكية تجعل من أحلامهم وكأنها حقيقة، والعكس هو الصحيح.
الوضع الانتخابي وأسلوب عملية الاقتراع يلعبان لصالح جورج دبليو بوش، بينما سبر الآراء لا تعطي فرقاً شكلياً بين هذا المرشح أو ذاك.
العديد من المعلقين الأوروبيين يريدون تصديق أسطورة (ديمقراطية الاقتراع) في أمريكا، متناسيين تماماً أن انتخابات سنة 2000 أظهرت حالة من الغش السياسي التي جعلت العديد من الأسماء الكبيرة تقدم استقالتها، ليس أسفاً على عملية التزوير التي حصلت وقتها، بل لأنهم استقالوا ليتحملوا مسؤولية الغش لأجل استمرارية منظومة انتخابية يعتقدها الجميع خالية من التلاعب!
هذه هي الخطوط العريضة التي يتدفق عبرها كتاب (جون كيري الرجل الذي يريد إيقاف بوش) الصادر منذ أيام في فرنسا ليكشف الكثير من المعلومات المثيرة عن آلية الانتخابات في أمريكا، ربما اليوم لأن الأمر يبدو مختلفاً إلى حد ما، باعتبار أن أمريكا تمر بأصعب مراحلها السياسية الدولية، فخسائرها في العراق لم يعدّ ممكناً التستر عليها، حتى بالنسبة للأمريكيين الذين لأول مرة اكتشفوا أنهم لم يدخلوا في الحرب ضد العراق فحسب، بل دخلوا المستنقع الذي حذّرتهم منه كثير من الدول، بحيث إن القوة العسكرية المطلقة لم تكن أبداً معيار النصر في المعارك، بدليل أن ردة الفعل العراقية الراهنة هي التي صارت تفرض على الأمريكيين الخسائر.
يقول الكتاب وهي الخسائر التي تبدو مادة دسمة في المعركة الانتخابية، لشخص اسمه: جون كيري! من هو جون كيري؟ ولد جون ريتشارد كيري في ولاية كولورادو بتاريخ 11-12-1943م، من أسرة يقال: إن جذورها الطويلة تمتد إلى فرنسا، وهو الشيء الذي يفنده (جون كيري) في حملته الانتخابية الحالية، ربما لأن (سقف الفرنسيين) صار منخفضاً جداً في أمريكا، وبالتالي من الجنون أن يترشح شخص في انتخابات رئاسية يتغنى ب(جذوره الفرنسية)، وهو الشيء الذي انتبه إليه (كيري) حين قال لقناة (السي ان بي سي) إنه أمريكي يسعى إلى أن تستعيد أمريكا قوتها التي أفقدها لها جورج بوش.
والحال أن تلك القوة سرعان ما سقطت في الضبابية قبالة كل التجاوزات التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية هنا وهناك. كان (جون كيري) معجباً حقيقياً بالثقافة السياسية لجون كنيدي، صادف أن التقاه فجأة ذات يوم حين زار جون كنيدي (ثانوية) پارثر بكولورادو وكان جون كيري تلميذاً لا يكاد يظهر للعين.
جاء (جون كنيدي) إلى كولورادو أيامها في إطار حملة قام بها، وكانت مصافحة تاريخية بينه وبين التلميذ (جون كيري).. مصافحة بقيت عالقة في ذاكرته وجعلته لأول مرة ينبهر بالرجال السياسيين، وبالسياسة بشكل خاص.
ترعرع جون كيري في كنف عائلة برجوازية معروفة. ولم يكن ديمقراطياً (من الحزب الديمقراطي) بالمعنى الحقيقي، على الرغم من أن والده كان واحداً من المدافعين عن سياسية الديمقراطيين الأمريكيين. وربما أن اصطدامه السياسي بدأ داخل التيارات الأمريكية المتناقضة التي في الأخير كانت تصنع ما يطلق على تسميته بالمؤسسات الدستورية. لهذا لم يكن في أمريكا شيئاً اسمه (أنا ديمقراطي) بالمعنى الفكري، بل ثمة أشياء يمكن أن تؤرخ الحياة السياسية لفرد إزاء مطالبه داخل المجتمع، والحال أن مطالب الأحزاب الكبيرة داخل الولايات المتحدة هي مطالب تتجه نحو المصالح الخاصة وليس نحو المصلحة القومية.
لهذا استطاع (جون كيري) أن يشق طريقه السياسي تكنوقراطياً، بمعنى أنه أراد أن يسير من دون أن يختم حياته بختم حزب معين، على الرغم من أن كل محيطه كان جزءاً لا يتجزأ من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على حد سواء!
تلك هي التناقضات التي ربما جعلت (جون كيري) يخرج عن حياده ليصبح مدفوعاً من الديمقراطيين، على الرغم من تناقضات أخرى جاءت لتظهر الرجل شبيهاً كارزماتياً بالرئيس الحالي جورج بوش.
فالرجلان من نفس الشرق الأمريكي.. ربما الذي يبدو عيباً في الخطاب السياسي لجون كيري هو أنه يحاول أن يبدو شعبياً أكثر من اللازم، على الرغم من أنه لم يكن في يوم من الأيام خارج الديكور الارستقراطي الأمريكي..
يقول الكتاب: إن الأمر هو في الحقيقة مرتبط أيضاً بدولة تشهر قوتها يومياً وباستمرار.. والحال أن الجميع يدرك الآن بالذات أن الولايات المتحدة هي القوّة العظمى الوحيدة في العالم، باعتبار أن مصير العالم كلّه صار مرتبطاً بالضيف القادم إلى البيت الأبيض.
هذا الاعتقاد يثير غرور الأمريكيين أنفسهم، بينما يسمح للقادة الأوروبيين، ولكل قادة العالم، بالتهرب من مسؤولياتهم التاريخية.
إن كانت هذه الفكرة حقيقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فلم تعد تتطابق مع الحقيقية، بعد حالة العصيان الفرنسية-الألمانية، ثم الفشل العسكري الذي مني به التحالف في العراق، والارتفاع الملتهب لأسعار النفط، والقفزة الاقتصادية الصينية، وإعادة التسلح في الفدرالية الروسية الخ.
مهما يكن فإن هذا الطرح يثير هذا الاهتمام بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأمريكية.. في أوروبا، حيث تبدو السياسة الخارجية لجورج بوش مرعبة، فإن النخبة السياسية اشتغلت على الفصل بين ما تفعله الإدارة الحالية وما هي عليه الولايات المتحدة لسنوات طويلة. فلأجل المحافظة على التحالف الأطلنطي، سعت تلك النخبة إلى صياغة المشكلة إلى درجة إقناع الآخرين أنه بإمكان حل المشكلات كلّها بمجرد تغيير الرئيس.. نحن أنفسنا لعبنا دوراً في هذه الحملة بإدانتنا لنظام بوش.. يقول الكاتب دون الانتباه إلى أنه تم استغلال جهودنا لأجل إخفاء عن الرأي العام الطابع المزدوج للسياسة الإمبريالية الأمريكية.
الصحافة العادية أعطت وجهاً خاطئاً للحملة الانتخابية.. كان هدفها الأول يسعى إلى إقناع الناس بالطابع الديمقراطي لهذه المجابهة، والرسالة الثانية كانت تهدف إلى إبراز جون كيري كحل للمشكلات الدولية التي تسببت فيها إمبريالية إدارة جورج بوش.
لا ديمقراطية ولا جمهورية
يقول الكاتب: لأجل شرح الفكرة إلى القارئ يجب توضيح نقطة في غاية الأهمية مفادها أن الديمقراطية هي منظومة سياسية يكون فيها الشعب سيداً، والجمهورية هي منظومة تكون فيها المصلحة العامة فوق المصلحة الشخصية. والحقيقة أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية لا يعترف بالسيادة الشعبية وفلسفة الآباء المؤسسين تضمر الضغينة للمصلحة العامة بعينها.
السيادة ملك فقط للبرجوازيين المحليين اليوم.. شخصيات مثل جيسي جاكسون أو برنارد ساندر يتبنيان إصلاحاً دستورياً يعترفان على أساسه بالسيادة الشعبية وإلى الآن، لم تكن الولايات الأمريكية ديمقراطية قط. وليست حتى جمهورية مادامت السلطة تسعى إلى تقمص تحالفاً في المصالح كأوسع ما يمكن بلوغه وأن الطبقة الحاكمة في أمريكا تطلق تهمة الشمولية الأحادية على كل محاولة صياغة للمصلحة العامة.
كان جون كيري جزءاً من تلك المنظومة باعتبار كل المناصب الكبيرة التي تقلدها طوال عشرين سنة الماضية. ثمة نظرية أمريكية تحمل اسم نظرية جيمس مديسون تقول: الانتخابات لا تتناول برنامجاً بما أن النقاش لا يتناول المصلحة العامة، ولكنه يتناول فقط النتائج.
ولهذا، فإن نتائج بوش وكيري تبدو هي نفسها وعلى وتيرة كل الأحداث الكبيرة، فإن السيناتور كيري أيد قرارات بوش بموجب تصويته داخل المجلس. الرجلان مختلفان من حيث طريقتهما وأسلوبهما، وتحليلهما.
وبما أنهما يقفان على الخشبة كأي منتج إعلاني، فلا بديل من تشبيههما بمنتجي غسيل متنافسين فقط طريقة لفهما هي التي تختلف...!
يتساءل الكاتب عن جدوى محاولة تقديم جون كيري كمنقذ بينما هو في الحقيقة مكمل لنفس السياسة التي من الصعب على شخص المضي عكسها: سياسة القوة الأمريكية المطلقة.
صحيح أن الخطاب السياسي لكيري يبدو رناناً، ولكنه يبقى مجرد خطاب ناهيك أنه يغازل اليوم وبشكل علني النخبة اليهودية داخل الولايات المتحدة لانتخابه وهي رسالة يجب النظر إليها من دون السقوط في فخاخ كل مرة، لأن جون كيري الذي أرسل شقيقته إلى إسرائيل للتضامن مع ضحايا العمليات الاستشهادية الفلسطينية هو نفسه الذي يعدّ أمريكا بالتغيير، ويعدّ العالم بتيار قادم.. تيار تصفه الصحف الأمريكية بأنه التيار الذي سيوقف بوش.. إيقافه بمعنى المضي نحو استراتيجية أخرى داخل البيت الأبيض، الذي يديره أشخاص لن يقبلوا بالتراجع عن خطط الضرب تحت الحزام القادمة ضد دول كثيرة، وهو ما يفسّر اللهجة المتغير ل(جون كيري) في الفترة الأخيرة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved