* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي
أثارت الانعكاسات الصحية الأخيرة التي تعرض لها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ردود فعل ومخاوف قلقة بشأن صحته وتساؤلات اكثر قلقاً بشأن التداعيات التي يمكن أن تحدث إذا غاب.. فسؤال من سيخلف عرفات بات يتردد بقوة اثر الإعلان عن الأزمة الصحية التي ألمت به ورغم أن عرفات واجه اكثر من مرة تدهوراً في صحته إلا أن ذلك لم يفتح الباب واسعاً أمام الحديث عن خلافته كما حدث هذه المرة ويعلل المراقبون ذلك بأن الأزمة الصحية للرئيس الفلسطيني كانت شديدة لدرجة غيبته عن الوعي ودعت إلى نقله إلى المستشفى وهو ما جعل الكثيرين يتساءلون عما يمكن أن يحدث لو غاب عرفات عن الساحة الفلسطينية في ظل هذه الأوضاع شديدة التعقيد التي تشهدها الأراضي المحتلة.
وأثارت هذه التساؤلات مخاوف من صراعات محتمله قد يشهدها الداخل الفلسطيني في حال غياب عرفات بين العديد من التيارات والقوى السياسية حول من سيخلفه ولعل ما عزز هذه المخاوف هو وجود ملامح أولية للصراع على خلافة الرئيس الفلسطيني ظهرت بوادرها منذ فترة وذلك بعد أن ساعد الحصار الإسرائيلي لعرفات والتهميش المتعمد له من قبل إسرائيل وأمريكا على تدهور نفوذه في الداخل الفلسطيني وهو ما كشف عن صراعات وتحالفات وموازين قوى سياسية بدأت في الظهور في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عودة عشرات الآلاف من قادة وكوادر العمل الفلسطيني في الخارج بعد اتفاق أوسلو وهو ما كان له أثره على التكوين الداخلي لحركة فتح والسلطة الفلسطينية التي ضمت ثلاثة روافد أساسية هم أبناء الداخل الذين لم يخرجوا من الأراضي الفلسطينية المحتلة والقادمون من الخارج لأول مرة عام 1994 وما بعده وأبناء الداخل الذين ابعدوا إلى الخارج ثم عادوا مع القادمين الجدد.
ويميز المراقبون بين أربعة أجيال تتنافس على السلطة الفلسطينية، الجيل الأول الذي يمثله عرفات وقليل من رجاله وأبرزهم أبو مازن وأبو علاء ويأتي بعده جيل قدامى حركة فتح وهذا الجيل معظمه من القادمين من الخارج أما الجيلان الآخران فيشكلان مزيجاً من أبناء الداخل الذين لم يخرجوا والذين ابعدوا ثم عادوا ومنهم محمد دحلان وجبريل الرجوب ومروان البرغوثي.
ويحصر آخرون المنافسة على خلافة عرفات بين جيلين هم جيل القدامى الذين عملوا مع عرفات مثل قريع وأبو مازن ونبيل شعث وياسر عبد ربه وجيل الشباب الذين ظهروا على الساحة الفلسطينية مؤخراً ومنهم محمد دحلان وجبريل الرجوب ومروان البرغوثي والأخير أحد القادة البارزين للانتفاضة وأكثر السياسيين الفلسطينيين شعبية بعد عرفات ولعل هذا التداخل يدفعنا إلى التساؤل حول من هؤلاء يمكن أن يخلف عرفات وهل سيقبل به الآخرون أم أن الصراع بينهم سيحتدم بما يكون له انعكاساته السلبية على الساحة الداخلية الفلسطينية ؟.
يقول الدكتور عماد جاد الخبير في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي إنه من الواضح أن الحالة الصحية للرئيس ياسر عرفات قد تدهورت بالفعل ولا شك أن هذا يدفع بالحديث عمَّن سيخلفه ولكن هذا الموضوع له مخاطر عديدة خاصة في ظل الحالة شديدة التعقيد التي تعيشها الساحة الفلسطينية حالياً فعرفات كان وضعه حرجاً منذ حوالي سنتين أو اكثر بعد الحصار حيث بدأ نفوذه يتدهور داخل الأراضي الفلسطينية ولذلك فالأمر الآن يختلف كثيراً عما كان عليه قبل حصار عرفات حيث كانت الأمور وقتها إلى حد ما مستقرة وكان فيه رؤية واضحة حول من يمكن أن يخلف عرفات وكيف يتم ذلك بطريقة سلمية لا تؤدي إلى تأثيرات سلبية على الساحة الفلسطينية.
وأكد جاد أن اختفاء عرفات في الوقت الراهن عن الساحة الفلسطينية سيؤدي إلى حدوث صراع بين أجنحة عديدة في السلطة على مسألة الخلافة ويتوقع أيضاً أن يمتد هذا الصراع إلى الشارع الفلسطيني وتكون منظمات المقاومة طرفاً قوياً فيه خاصة أن هذه المسألة لا يتوقع لها أن تحسم بدون تدخل إقليمي ودولي ولن يخلو ذلك من دور إسرائيلي كبير في تحديد الشخصية التي ستخلف عرفات والتي تقبل إسرائيل بالتعامل معها وفي هذا الإطار يأتي اسم محمود عباس أبو مازن كأكثر المرشحين بقوة لخلافة عرفات لما يحظى به من قبول عربي ودولي ومن جانب إسرائيل أيضاً وحتى إذا كان ترشيح أبو مازن سيلقى معارضة من جانب بعض القوى السياسية الفلسطينية وعلى رأسها فصائل المقاومة فإنه يبقى الخيار الأفضل لانتقال هادئ للسلطة في الأراضي الفلسطينية كما انه سيكون له دور في تحريك عملية السلام بعد أن تبطل حجة إسرائيل في عدم وجود شريك فلسطيني تتعامل معه كما سيبدأ العالم الخارجي في العودة للتعامل مع الفلسطينيين بعد أن كانوا وعلى رأسهم أمريكا يرفضون التعامل مع عرفات.
|