* جدة - صالح عبد الله الخزمري:
كتاب المرصاد لإبراهيم الفلالي كان ضمن محاور جماعة حوار بنادي جدة لهذا الموسم الذي خصَّصته لمراجعات في خطاب التنوير النقدي والإبداعي، ومعه مرصاد المرصاد لعبد الله عبد الجبار.
قدَّم القراءة د. محمد ربيع الغامدي؛ حيث لفظ العنوان نفسه يوحي ابتداءً بأنه ليس في الأساس من ألفاظ النقد ومصطلحاته، بل وافد إلى الفن من خارجه.
والمرصاد على صيغة اسم الآلة (مِفْعَال)، وهو آلة رصد للأجرام السماوية البعيدة، غير أنه بهذا المعنى وإن بدا في الظاهر محايداً نسبياً من حيث رصد الظواهر على ما هي عليه قد يستحيل في منطق الفن من الحياد إلى الانحياز نحو الإساءة للفن أو تشويهه.
حملت مرآة الفلالي فيما حملت من صور الحياة (المفردة)، فالمفردة في الشعر عنده لا بد أن تكون المفردة المستعملة في الحياة وفي الواقع، فالتبستْ لديه أحياناً مفردات الشعر بمفردات الواقع وإن قال أحياناً عن بعض المفردات: إنها غير شعرية.
وبنظرة سريعة إلى مرصاد المرصاد سنرى فقط هل اتبع عبد الله عبد الجبار سلوكاً مرصادياً أيضاً في نقد المرصاد؟ وهل كشف صاحب مرصاد المرصاد أساس لعبة المرصاد فأفسد عليه اللعبة؟
وبعبارة أخرى، ما مدى التشابه أو الاختلاف بين قراءة الفلالي للشعر وقراءة عبد الله عبد الجبار للفلالي؟
الجواب عن السؤال الأول بحسب عبد الله بن عبد الجبار نفسه: نعم، افتتح المقدمة بقوله: (آليتُ على نفسي منذ أن أصدر صاحب المرصاد مرصاده أن أناقشه الحساب عسيراً، وأن أضع لمرصاده مرصاداً، يسجل عليه هزاته في النقد كما سجَّل هو هزات الأدباء في الأدب، وأن أقيم الموازين القسط له أو عليه).
ومما يدل على أن صاحِبَي المرصاد ومرصاد المرصاد يسيران كلاهما في فلك رؤية نقدية واحدة من حيث تحكيم النموذج القبلي والعمل على تأييده. إن عبد الجبار في اعتراضه على الفلالي حين انتقد العواد في تصوُّر الليل ذا أفكار وفؤاد يعتذر للعواد بأنه قصد بالليل شخصاً معيناً.
وفي ختام القراءة يشير د. ربيع إلى التنبه على أن نقد المرصاد، وكذا مرصاد المرصاد، ينبغي أن يؤخذ في سياق المرحلة، ولا ينبغي أن ينتظر من المرحلة عطاءً هو أليق بمراحل متأخرة، ويكفي أن المرصاد أول محاولة في النقد التطبيقي على النصوص في بلادنا، ومرصاد المرصاد أول محاولة في نقد النقد أيضاً.
وبعد ورقة د. ربيع كانت مداخلات الحضور:
- الإجابة عن الأسئلة أهم من الغوص في ملاحقة النصوص في رأي سحمي الهاجري.
- كامل صالح يرى أن النصوص التي يرصدها الفلالي هي نصوص كلاسيكية وليست تنويرية، ويتساءل: هل يعد الفلالي من التنويريين؟! وهل فهم الأدب الواقعي بطريقة خطأ أو بطريقة مشوَّهة؟! وهل الأدب مرآة للحياة أم مرآة للمستقبل؟!
وتضم د. فاطمة إلياس صوتها إلى صوت كامل في أن مرصاد الفلالي لا يوجد به وهج للتنوير، بل الجمود، مع أنها ترى أن إرهاصات التنوير بدت جلية في مرصاد عبد الله عبد الجبار في تأكيده على الرمزية وتفسيره لعلامات التعجب وعلامات الاستفهام التي غزت شعر الغزاوي.
- الأستاذ علي المالكي يرى أن د. ربيع استطاع أن ينطلق في قراءته للمرصاد من نقطة جوهرية عبَّر عنها منذ البداية من خلال عنوان الورقة في الجزء الأول (منطق الشعر ومنطق الحياة)، وكأني به يشير متسائلاً عن موضع النقد الحقيقي بين منطق الشعر ومنطق الحياة. ولا شك أن النقد يعيش منذ زمن في هذه المنطقة المعقدة والشائكة التي عبَّر عنها كثير من النقاد من خلال محاولاتهم الدائمة للإجابة عن ذلك السؤال المنهجي: هل النقد علم أم فن؟
إن القارئ لمرصاد الفلالي يصل لنتيجة مفادها أن نقد الفلالي كان معتمداً على الذوق الشخصي البحت الذي أشار إليه بنفسه أكثر من مرة.
تأخَّر الفلالي في الكتابة الأدبية إلى سنوات تمتد إلى أكثر من عقد ونصف من الزمان، ولكنه عندما كتب استطاع أن يكون أحد الشعراء الرومانسيين، وكان مسكوناً بالرومانسية، وقد تأثر بالعقاد والمازني في الديوان. أما ذائقته الأدبية فهي ليست انطباعية.
- عائض القرني يتساءل: هل الخروج عن المألوف في النص الشعري يعدُّ غاية في ذاته أم أن هناك ضوابط؟
- عبد الله الخميس يلاحظ أن التنوير هو النقطة التي تثار دائماً في الجلسات الثلاث، ويؤكد أن هناك أركاناً تقوم عليها حياتنا: الدين، والسياسة، والمجتمع، والفكر، والأدب.
ويتساءل: لماذا لا يكون لنا تنويرنا الخاص؟ وهل سنعيد التجربة المصرية؟
هناك ثوابت يجب التمسك بها، وهل يصعب أن يكون لنا تنويرنا الخاص القائم على احتياجاتنا؟
- علي الشدوي يرى أنه على الرغم من تركيز الفلالي على الذوق إلا أن الحكم لديه على الشعر يستند إلى معايير معرفية.
* ختم الجلسة د. محمد ربيع حيث علَّق على المداخلات وقال: إن ورقتي ليست معنية بإصدار الأحكام المعيارية، ولست معنياً بوضع المرصاد على منصة الاتهام أو تبرئته، ولست معنياً بمناقشة كل فكرة يمت لها هذا الكتاب، ولم أدَّعِ أن ورقتي ستجيب عن كل ما يدور في الأذهان.
إن مسألة قراءة الأوراق هي مسألة فكرة؛ لأن الورقة تنصُّ على قراءة في كتاب.
وعلَّق على المداخلين:
د. لمياء باعشن، قال: لم أكن معنياً بإبراز ملامح الفلالي، وقيل لي: إني اختصرتُ وأطلتُ في النماذج، ولكن اخترتُ ما حاولتُ أن أوازن به بين الطول والقصر.
سحمي الهاجري، قال: لستُ معنياً بالخوض في التنوير، وأخذ عليه مناداته بالدراسة حول الفلالي، فذلك له مجال آخر.
وفي رد على عبد الله الخميس قال: يجب الإقلال من الخوف من الآخر والتنوير والافتضاح على الآخر والخوف على الثوابت، فهذه مسألة رهاب تزيد أكثر مما ينبغي، فلا خوف على الدين؛ فهو صلب، وكذلك هويتنا.
أما في تعليقه على مداخلة علي الشدوي فقد وصفه بابن جني الذي كان أعلم بشعر المتبني من المتنبي نفسه.
وفي ردِّه على عبده خال قال: مسألة النظر وترصد الفن بعين من خارج الفن أعتقد أنه يضر بالفن أكثر مما يخدمه.
|