الذين قرأوا كتاب (لعبة الأمم) لكوبلاند رجل الاستخبارات الأمريكي المتقاعد قليلون جدا ومن اولئك القلة من يصرون اصرارا عنيدا بأن ما قاله غير حقيقي وهم على يقين بأنه صدق او ان نسبة كبيرة من محتوياته صحيحة إذ قد اكدت ذلك وقائع عديدة منها ان ما كان يمليه كوبلاند وزمرته من رجال الاستخبارات وينفذ في وقته لا يمكن ان يلائم تنفيذه في الوقت الحاضر بمعنى أنه لا يقبل اطلاقا كخداع سافر لجماهير كانت غافلة ومنصاعة بعواطف جارفة لا تقبل التريث للمناقشة. كما ان الاشخاص الذين ملكوا القدرة على الظهور على مسرح السياسة ومثلوا الادوار الدراماتيكية العنيفة اصبحوا الآن في حكم المعدومين وإذا ما حاول احد الوقوف على الخشبة فلن يستطيع ان يضطلع بالدور، أما لندرة الذاكرة التي تستوعب الفصول الطويلة حفظا او القدرة على الأداء.
لذلك فقدت الصهيونية العالمية الذريعة التي تستطيع معها ان تسوق البراهين ضد العرب في قدرتهم على الحشد او تصميمهم على محو اسرائيل فيما بين عشية وضحاها لن تستطيع اسرائيل ان تغرر بالذين يسهل استدرار عواطفهم عليها وبذلهم المال في سخاء للتبرع لمجاميعها التي تجوب الشوارع في مدن وقرى كثير من بلاد العالم شرقه وغربه.
كان (كوبلاند) وحفيد (روزفلت) يأتيان مسرعين من الولايات المتحدة الأمريكية في مهمات عاجلة الى منطقة الشرق الأوسط دون ان تعرف عنهم حتى سفارة بلادهم ليقترحوا اعلان صفقات الاسلحة الروسية واستعمال أساليب التهديد بقذف اسرائيل في البحر من خلال مهرجانات شعبية وتحدي أمريكا بشرب ماء البحر اذا ما غضبت وذلك على الملاء الذي يصغي او يشاهد من أنباء الأمة العربية وغيرهم فنكاد نطير فرحا وغبطة وفخرا بتلك المكاسب والتحديات لأكبر أمم الارض ودولها معتقدين ان ذلك امر حقيقي سنقطف نتائجه العاجلة نصرا مبينا للعرب على اسرائيل.. غير ان ما سعى له وأملاه (كوبلاند) من اقتراحات لا يمكن ان تكون في صالحنا. وهذه حقائق عارض بها الكثيرون من العارفين فلم نصدقهم وقاومنا مفاهيمهم واتهمناهم بالانهزامية ومعارضة تيار النصر والفخر!
كان الاعتقاد بوجود مثل تلك الحقائق التي كانت غامضة علينا حينذاك ضربا من الخيال لا يصدقه أحد من الذين يناصرون القومية ويؤيدون الزعامات الثورية الهائجة المائجة.
والذين يسمعون ولولة اسرائيل وعويل زعمائها من تلك التهديدات والتسليحات يعتقدون انها حق مجردة من المرامي والتصنعات.
كان الأعداء يجنون المكاسب ويتلهفون لسماع الصراخات والتهديدات منا ليقطفوا منها دخولا مادية تنهال عليهم مع عواطف الشعوب المغرورة بدموع اليهود وزعمائهم الذين مهروا في الخداع وتصنعوا الضعف وتظاهروا لهم بتوقع الهزيمة والمسح من الوجود، كانت كل صرخة منا ضهم تمثل دعماً مادياً ومعنوياً لهم.
والآن هل يستطيع كاتب أن يكتب مثل (كوبلاند) عن خلق مسرحيات جديدة وابراز أشخاص من بيننا ليعملوا لمصلحة اعدائنا؟!
انني متفائل كثيرا بأن الوعي صعد الى مستوى لا يلائمه الخداع، وآية ذلك ان اي زعامة فردية ستنشأ من جديد لا تستطيع ان تجتذب الجماهير بالأقوال دون ان تسندها افعال فورية لأن الشكوك غالبت اليقين.
فهل نطمع في قيادة جماعية لامتنا العربية المسلمة تذوب فيها المبادئ المستوردة لتكون ركيزتها العقيدة العتيدة الأزلية.. وبالتالي تكون نواة ومنطقا لتجمع عالمي ثالث؟!
|