إن سقوط بغداد وانهيار النظام بشكل كامل في كل أرجاء العراق عقب الاجتياح أعطيا للمخرِّبين واللصوص وأصحاب الأوهام الأسطورية فرصة العمر كي يظهر أيٌّ منهم بمظهره الذي يمثل واقعه الذاتي، فكان لكل مَن دأب ليكون الحال كذلك ما أراد.
لقد تم ترتيب سرقة الآثار بطريقة منهجية تتيح للُّصوص المكلفين بهذا العمل الوصول إلى أهدافهم المرجوة دون أن يكون هناك أي عائق قد يُفشل تقدم اللص المأجور ناحية الهدف، فقد كان الاهتمام بآثار بلاد الرافدين كبيراً وكبيراً جداً؛ لما لتاريخها من أهمية قد تستغل لتحقيق مآرب مستقبلية بالنسبة لمَن أوعز للُّصوص فعل هذه الفعلة. فسرقة الكم الهائل من الآثار ونقلها إلى فلسطين؛ حيث وجود دولة اليهود هناك، كان من أَجْل نسج خرافة أسطورية وتثبيت هذه الخرافة عن طريق امتلاك دليل مادي يتمثل بتلك القطع الأثرية، فهم يخططون للمستقبل، إما لأجل الامتداد الجغرافي لتلك الدولة الغريبة بما لديها من آثار تدعم أحقيتها بهذا الامتداد، وإما لإحضار مجموعات كبيرة من اليهود لتوطينهم بالعراق؛ كي يكونوا بمثابة طابور خامس، فشرعية هذا التوطين يكتسبها اليهود من حيازتهم لتلك الآثار التي قد تقنع المجتمع الدولي بأن لهم تواجداً قديماً في أرض الرافدين، وأنهم يمتلكون الحق في العودة لتلك الديار التي ورثوها عن أجدادهم.
فالاهتمام انصبَّ على الآثار للبحث عن منفذ يهيئ اقتراب الأحلام المستقبلة، ففي المستقبل الذي قد لا يكون بعيداً ستُقدِّم تلك الدولة الغريبة عن جسد الأمة للمجتمع الدولي الأسطورة التي تزعم فيها أحقية الامتداد التاريخي لتلك الدولة المصطنعة بناءً على الدلائل الأثرية التي استحوذوا عليها بالسرقة الممنهجة، وعندئذ قد نواجه معضلة صعبة إذا ما تعامل معنا المجتمع الدولي وفق الإثبات الأثري الذي من المفترض أن يتيح للطرف الآخر هامشاً واسعاً لزيادة الضغوطات المحققة للآمال الامتدادية، سواء أكان الامتداد بوجود امتداد ديموغرافي لنفس التركيبة السكانية الذي لا بد أن يعدَّ طابوراً خامساً، أم اتساعاً لرقعة الدولة المصطنعة تجاه الأماكن التي سرقت منها قطع الآثار.
فلم تقُم منهجية السرقة بحثاً عن المكاسب المادية من وراء ذلك الفعل إطلاقاً، بل قامت لأهداف واسعة قاعدتها للانطلاق الآثار العراقية. ونتذكر قبل خروجهم من سيناء بعد اتفاقية كامب ديفيد التي تمخَّض عنها الخروج من سيناء، نتذكر أنهم نبشوا أرض سيناء طولاً وعرضاً استقصاءً عن أي دلالة أثرية من الممكن أن تخدم المزاعم التي تؤهل سلب ما لدى الغير من ممتلكات شرعية.
إن شرعية المطالبة تنشأ لديهم عند امتلاك ما كان لغيرهم في الأزمنة الغابرة من آثار انبثقت عن تلك الحقبة، وابتكار حكاية أسطورية يُؤتى بها على اعتبار أنها موروث قديم؛ كي تعطي شرعية لاسترداد الحقوق المشروعة للشعب المختار.=
|