Friday 29th October,200411719العددالجمعة 15 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

تحية رمضان تحية رمضان
محمد بن زيد بن سعود العثمان - حوطة بني تميم

إنّ من فضل الله ومنَّته أن شرع لعباده مواسم عظيمة وساعات جليلة يتقربون فيها إليه عز وجل.. يرجون يها فضله ويخافون عذابه و{ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء}.. فالإنسان في هذه الحياة الدنيا عمره محدود وايامه قصيرة، وقد جعل الله له في حياته تلك مواسم خير كثيرة وأعطاه من شرف الزمان والمكان ما يسد به الخلل ويقوم به المعوج.
وفي هذه الأيام يحل علينا ضيف عزيز وشهر كريم خصه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم. وأنزل فيه القرآن وفرض صيامه. وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه:


أتاك شهر السعد والمكرمات
فتحية في أجمل الذكريات
يا موسم الغفران أتحفتنا
أنت المنى يا زمن الصالحات

إنه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. إنه شهر البركات والخيرات. شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن. شهر تضاعف فيه الحسنات. وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع فيه الدرجات. وتغفر فيه السيئات. وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين.. أتى هذا الشهر الكريم ليقول للناس: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}.
أتى هذا الشهر الكريم ليغسل القلوب من أدران الذنوب والخطايا بماء التوبة الطاهر.
أتى هذا الشهر الكريم ليوحد الكلمة ويلم الشمل فينساب المجتمع المسلم كنهر عذب مورود.
أتى هذا الشهر الكريم ليذكر المسلم الصائم بإخوان له أضرَّ بهم الجوع والفقر والحاجة. أتى هذا الشهر الكريم ليكون سلوة للنفوس وأنساً للقلوب وبلسماً للهموم.
لقد جاء رمضان لينيب الناس إلى ربهم جل وعلا. ويؤموا بيوته ليعمروها بالصلاة والتراويح والذكر والقيام والاعتكاف. تمتلىء بهم المساجد متعبدين لله تعالى أو متعلمين لأحكام دينه..صفاً واحدا سواء الغني والفقير أو الصغير والكبير. يذلون لله فيعطيهم الله بهذه الذلة عزةً على الناس. ولا غرو، فإن من ذل لله تعالى أعزه الله. ومن كان عبداً مطيعاً جعله الله بين الناس سيداً. ومن كان مع الله باتباع شرعه والوقوف عند أمره ونهيه كان الله معه بالنصرة والتوفيق.
لقد عاد رمضان وفي عوده معان كثيرة. ومن أجلِّها أنه يشعر الناس بقيمة الوقت والحياة ويوقفهم على حجم التقصير في طاعة الله.
روى ابن خزيمة في صحيحه عن سلمان رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (إنه قد أظلكم شهر عظيم مبارك. شهر كتب الله عليكم صيامه. شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فيه فريضة فيما سواه. ومن أدى فيه فريضة كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.
وهو شهر الصبر. والصبر ثوابه الجنة. وشهر المواساة. وشهر يزاد فيه رزق المؤمن.
ومن فطّر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء).
ألا وإن بلوغ هذا الشهر الكريم نعمة كبيرة على من بلغه وقام بحقه وذلك بالرجوع إلى الله تعالى والإنابة إليه. فهل نحن صمنا حقا وأدركنا سر الصيام. فلقد عاش أسلافنا من رمضان أحلى الثمار. فصامت عندهم القلوب عن الآثام وصامت النفوس عن المعاصي وصامت الأيدي عن الأذى. وذلك لأن الصيام ليس مقتصراً على تجنب الطعام والشراب والجماع فحسب كما يظنه البعض. بل لا بد مع ذلك كله من إمساك الجوارح عن اقتراف الآثام والذنوب والمعاصي جميعا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أنه يدع طعامه وشرابه).


إذا لم يكن في السمع مني تصاون
وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذاً من صومي الجوع والظما
فإن قلت: إني صمت يومي فما صمت

وذلك لأن رمضان مضمار السابقين وغنيمة الصادقين. فهو ثمرة الدهور ومصباح الشهور وربيع المؤمن. يقتطف فيه الأجور. وتزين فيه الجنان والقصور. لذلك كله فإن الواجب على المسلم أن يستشعر نعمة إدراكه لهذا الشهر ونعمة العافية فيه. وهو بحاجة إلى معرفة الصيام وآدابه. وماذا عليه فعله فيه. فكم من إنسان ثاوٍ تحت الجنادل والتراب يتمنى أن يرجع فيه إلى الدنيا ليتبعد لله. وكم من إنسان طريح الفراش يتمنى الصيام. وكم من إنسان مقعد يتمنى القيام.
حيث إننا نريد أن نجعل من رمضان صفحة جديدة بيضاء نسطر فيها الولاء لله والتذلل بين يديه والافتقار إليه. إننا نريد أن تسمو أرواح المؤمنين في هذا الشهر الكريم ويسودها الفال والأمل بموعود الله تعالى. فتتغلب على الشيطان والهوى والدنيا.
ونريد أيضا أن نجعل هذه الحياة الدنيوية في أيدينا لا في قلوبنا وأن نتجه إلى الله تعالى بأفئدتنا وأرواحنا..
نسأل الله أن يصلح بمقدم رمضان القلوب.. وأن يغفر بزيارته الذنوب.. وأن يفتح بحلوله الدروب. وأن يكشف بمجيئه الكروب. وأن يستر بوصله العيوب.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved