Friday 29th October,200411719العددالجمعة 15 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

اللص المحترف اللص المحترف
منيرة صالح الدريعي - عنيزة

نجمع دائماً على امتعاضنا عند سماعنا لكلمة (لص)!!
نتهيبها أحياناً ونخشى أن ننعت بها أحياناً أخرى، لأنها بمعنى سارق، وقد ذكرت في القرآن الكريم لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }، فقمة الوضاع بأن نكون من هؤلاء، لأن فعلتهم تسيء لذواتنا باعتدائهم على حدود الغير..! وأقبح من وقوعنا في تلك الجريمة الشنعاء التشفي والشماتة منهم وفيهم..!!
ونحن كشعب مسلم مطامعنا أرقى من سرقة ممتلكات الآخرين المادية، ولكن قد نصل إلى حد الاحتراف عندما يكون هدف مطامعنا تكوين روافد تبني لنا صرحاً شامخا من الخلق العالي والمسلك المستقيم.


هي الأخلاق تنبت كالنبات
إذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي
على ساق الفضيلة مثمرات
وأخلاق الوليد تقاس حسناً
بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المزايا
كمثل ربيب سافلة الصفات
فكيف نظن بالأبناء خيراً
إذا نشئوا بحضن الجاهلات

حقاً بمقدورنا أن نصبح لصوصاً:
** عندما نحمل بين طيات انفسنا قلوبا تحمل الصفاء للناس قلوبا خالية من غش الخصومات. قال الرسول عليه السلام (تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرىء لا يشرك بالله إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول - اتركوا هذين حتى يصطلحا) فإلى متى سيظل ابن آدم مقيداً بأغلال أحقاده؟؟ وهو يعلم أن القلوب السوداء تفسد الأعمال الصالحة وتفقد بهجتها!!.
وقال ايضا: (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله اخوانا، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث).
وقد قال الشافعي رحمه الله :


لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من هم العداواتِ
إني أحييِّ عدوي عند رؤيته
لأدفع الشر عني بالتحياتِ

** والمحظوظ ايضا من وهبه الله حلم هود!! وصفح محمد عليه السلام، لأنهما من الطبائع الأصيلة التي لها صلة وثيقة بالثقة في النفس، ومن اتصف بهما ربما أوصلتاه إلى أن يكون من السُّراق المحترفين. يتجاوز عن الخطأ، فلا ينتقم لنفسه ابداً..!!
قال الرسول عليه السلام في إحدى خطبه (إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى ألا وان منهم البطيء الغضب...) ...الخ الحديث في تصنيفه للناس.
والخلق كما هو معلوم أصناف والمؤمن الحق يضع نفسه حيث يحب.
ولحلم النبي صلى الله عليه وسلم وصفحه معروف في السيرة وقد حفظت لنا ما قاله الأعرابي الجلف للرسول عليه السلام حينما كان يوزع الغنائم إذ قال له: أعدل!!
فما كان جواب الرسول عليه السلام للأعرابي: إذا لم أعدل أنا فمن يعدل إذن؟؟ خبت وخسرت إذ لم أعدل. وقد نهى الرسول عليه السلام أصحابه عن أن يقتلوه.
وكما أن الغضب جمرة من الشيطان، قابل الله كاظمها بالخير الوفير، قيل في الحديث (من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء).


عاشر بمعروف وسامح من اعتدى
دافع ولكن بالتي هي أحسن

** ولتزيد من الاحتراف في السرقة، زد من عطائك واجعل من الشح والبخل والامساك حبيس الجود والكرم، فربما تدور عليك الدائرة لتلتف حولك فلا تجد معيناً ولا تجد سنداً..!


أرى أغنياء الناس كالعمى لم يروا
شقاء بني غبراء من كل بائس
كأن الغنى والفقر نور وحندس
ولم ير من في النور من في الحنادس

وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وخير العطاء والبذل سيكون لمن نعول وللأقربين من الناس، وقد دعا الإسلام الى الجود والإنفاق والبذل والعطاء ونهى عن التبذير كما حارب البخل المتقد!!


لو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني
ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات

فما اروع أن نشعر بمأساة الآخرين ونبذل اكفنا لمساعدتهم ليتجاوزوا محن الحياة وصعابها فقد يكفينا دعوة تفتح لها أبواب السماء تدفع عنا الكثير من الضرر...
من أفواه المنكوبين المحرومين التي لا تكاد المقصورة تخلو منهم وينتظرون منا من يفرج عنهم كربهم ويشعر بمصائبهم.


يظن بأن بي بخلاً فيقسو
وأني أنا أكتمها شحيح

ومن يعرف الجندي المجهول وعلى من شاكلتهم يحترمهم ويقدرهم حق قدرهم


فلتكنه بأبي اليتامى بعد ذا
إذ لا يخاطب مثله بسوى الكنى

* ولنكفل لك فرصتك في سرقة القلوب والألباب فالتزم بالعقل والعلم والفهم الذكي لأن سلاح العصر العقل الواعي والذهن المدبر سواء كان بعبارة مكتوبة أو كلمة مسموعة نافعة لأنفسنا ولأوطاننا وليس بالأداة القاتلة.
وقد كفل لنا الدين الإسلامي بإيجاد جيل حاذق باتباع اوامره واجتناب نواهيه بالتفكر بكونه وخلقه وكشف اسراره.
قال تعالى مصوراً أهل النار {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} لان التعليم روح الإسلام وجوهره فلا بد من تعلم الحلال لاتباعه والحرام لاجتنابه وفضائل الأخلاق لطرقها.
قال الشاعر:


أليس العلم في الاسلام فرضاً
على أبنائه وعلى البنات

وقال آخر..


رأيت العلم صاحبه كريم
ولو ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن
يعظم أمره القوم الكرام

أخي القارىء الكريم:
فإذا أردت أن تكون لصاً محترفا بحق، فأحط نفسك بكوكبة من الفضائل الجمة التي تدعم فطرتك وتروض هواك فإنها كفيلة بسرقة قلوب البشر لتأسرهم نحوك بخلقك الكريم الذي دائماً ما نفتقده في معترك الحياة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved